الأخبار و الصحف

بعد مقاربة صندوق النقد الحسابية للقطاع المصرفي…للمجلس الدستوري حق في الإبطال؟

بعد مقاربة صندوق النقد الحسابية للقطاع المصرفي…للمجلس الدستوري حق في الإبطال؟

18-04-2022 | 21:30 المصدر: “النهار”
بدوره قانون موازنة 2022 سيحمّل إقراره مجلس النواب تبعات غير مستحبة بفعل الرسوم والضرائب الملحوظة، ولا سيما عشية الانتخابات. وبالنسبة لتعديل قانون السرية المصرفية الذي وافق عليه مجلس الوزراء خلال جلسته في 14 نيسان الجاري، فإنما الهدف منه هو الكشف عن الأموال المحوّلة والمهرّبة للسياسيين والأشخاص المعرّضين سياسياً.
وأما في ما خصّ قانون إعادة هيكلة المصارف فإن مفاده شطب مصارف من السوق وإعادة تشكيل قطاع موثوق بقدرته على إدارة المخاطر، لابل أيضاً مؤهل للنهوض بالاقتصاد. ولكن هذا الإجراء ينطوي على بعض الحساسية والكثير من الشجاعة معاً خصوصاً أنه مرتبط بقضية توزيع الخسائر التي تتسع فجوتها يوماً بعد يوم بعيداً عن أي مقاربة عادلة للحلول.
بدون شك، إن صياغة قانون إعادة هيكلة المصارف لن تكون قريبة بعد التلميح عن مشروع لتصفير رساميلها،كما مصرف لبنان.
ولكن هل من مسوّدة أو تصوّر؟
غبريل
يقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل لـ”النهار”، “إن الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي هو فرصة يجب على لبنان تلقفها والعمل جاهداً على التعامل معها بجدية تامة بدءاً من وضع جدول زمني لتطبيق الإجراءات المسبقة. ولكن اللافت أن 7 من أصل 8 من الإجراءات المسبقة التي تم الاتفاق عليها بين الحكومة و الصندوق تطال القطاع المصرفي بشكل مباشر والثامن بشكل غير مباشر.
ومن بين هذه الإجراءات استراتيجية إعادة هيكلة القطاع المصرفي الى جانب إجراء التقييم والتدقيق في أكبر 14 مصرفاً في لبنان تشكل أكثر من 80% من حجم القطاع المصرفي. ومن الملاحظ حصر تحميل الخسائر للقطاع المصرفي وللمودعين وتبرئة ذمة الدولة من أي مسؤولية جدية رغم أن أسباب الازمة تكمن في سوء استخدام السلطة وسوء إدارة القطاع العام وسوء إدارة الأزمة”.
ويضيف: “الغريب أن الإجراءات المسبقة لم تتضمّن البدء بإصلاح قطاع الكهرباء من خلال إنشاء هيئة ناظمة مستقلة كخطوة أولى، مع أن أزمة الكهرباء كلّفت الخزينة 50 مليار دولار. كما لم تتضمّن الإجراءات المسبقة أي إجراء لمكافحة التهريب في الاتجاهين ووقف التهرّب الجمركي ومعالجة الوظائف الوهمية في القطاع العام على سبيل المثال لا الحصر، إذ إن مثل هذه الإصلاحات المسبقة تعطي إشارات إيجابية الى القطاع الخاص وتبدأ بمعالجة الازمة ككل لا على نحو جزئي. إن الهدف العام للبرنامج الإصلاحي يجب أن يكون استعادة الثقة، وذلك من خلال أولوية توسيع حجم الاقتصاد ودعم النموّ وخفض الأعباء التشغيلية عن كاهل القطاع الخاص وتحسين المناخ الاستثماري وتطوير بيئة الاعمال ورفع مستوى تنافسية الاقتصاد اللبناني، بالإضافة الى تأكيد نموذج الاقتصاد الحرّ المبنيّ على التنافسية والقطاع الخاص والمبادرة الفردية والانفتاح التجاري والحوكمة والشفافية والإدارة الرشيدة”.
ويقول: “إن الاتفاق مع صندوق النقد يحاول تحييد الدولة عن تحمّل جزء من الخسائر المالية المقدرة بـ72 مليار دولار وتحميلها للمصارف والمودعين مع استبعاد استخدام الموارد العامة لتغطية جزء منها، علماً بأن المصارف ليس عندها مشكلة في تحمّل جزء من الأعباء شرط أن يكون التوزيع عادلاً ومنصفاً، وهي أصلاً تتكبّد خسائر منذ اندلاع الأزمة”.
ويضيف: “توزيع الخسائر هو كناية عن عملية تصفية حسابية من الصعب أن تؤدي الى استعادة الثقة. والطريقة الأجدى تكمن في تطبيق القانون اللبناني الذي ينصّ على أن الدولة هي المسؤولة عن إعادة رسملة وملاءة مصرف لبنان بما أنه مؤسسة عامة. ومن بعد ذلك، تأتي مساهمة المصارف، وإذا اقتضت الحاجة، جزء من المودعين. أما التوجه الحالي فهو نقيض لذلك تماماً”.
ويرى غبريل “أن القطاع المصرفي لا يستطيع الاستمرار على هذا المنوال وقد طال انتظاره للعملية الإصلاحية، فيما إمكانياته تُستَنزَف. فالقطاع المصرفي لا يقوم بدون إصلاح اقتصادي وبنيوي شامل، ولكن بدوره لا يستطيع الاقتصاد النهوض دون قطاع مصرفي يعمل بنحو طبيعي”.
مرقص
رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص يلفت الى أنه “وفق صندوق النقد الدولي هناك نظرة إفلاسية الى لبنان مبنيّة على مقاربة حسابية محض، لا تأخذ في الاعتبار طاقات البلد ومنها القطاع المصرفي”.
ويقول: “هذه المقاربة تحمّل القطاع المصرفي الخسائر أو الفجوة، بينما هذه الأعباء هي دين على الدولة والقطاع العام. والمصارف هي الجهة الدائنة فيما الدولة والقطاع العام هما الجهة المدينة. وبدل التفكير الخلّاق وإيجاد الحلول لسد الديون وإطفائها على المستويين المتوسّط والبعيد يُصار الى شطبها مباشرة وتحميلها لرساميل المصارف والمودعين خصوصاً منهم الكبار والمتوّسطين، كما أعلن عنها وفد الصندوق وتحدّث عنها رئيس بعثته الى لبنان إرنستو ريغو راميريز أن العبء يُحمّل للمصارف والمودعين دون الدولة ومصرف لبنان، الى جانب إنشاء قطاع مصرفي جديد قائم على الودائع النقدية الجديدة. بمقتضى هذه المحاسبة الرقمية، إن البلد مفلس، فيما أصول الدولة اللبنانية العقارية تبلغ وحدها نحو 10% من مساحة لبنان، أي 60 ألف عقار بقيمة نحو 50 مليار دولار، ليس مطلوباً بيعها ولكن استثمارها وفق خطة الحكومة الإنقاذية التي شاركنا بها في جوستيسيا والتي لم تبصر النور حتى تاريخه.
وبالنسبة للصندوق فإن الودائع التي تصل قيمتها سواء إلى 100 ألف دولار أو 150 ألف دولار ستنجو من أي عملية اقتطاع، فيما الودائع الأخرى ستخضع للـBail in أو تتحوّل الى أسهم في المصارف. وأيضاً بالإمكان استثناء النقابات وصناديق التعاضد من هذا العبء بدون الاعتماد على عقارات وأصول الدولة قطعاً، مقابل تفاهم مبنيّ على إعادة هيكلة القطاع المصرفي، مع العلم بأن هذه العبارة خاطئة، ولا سيما أن كل مصرف يتمتّع بوضع خاص. كما يعتبر الصندوق أن وضع لبنان هو سابقة وهذا ليس صحيحاً. فالتجارب مع الصندوق ليست ناجحة دائماً، والبرازيل بعدما اقترضت مرة أخرى من الصندوق 5 مليارات دولار أضحت الدولة الأكثر فساداً وطرداً للمهاجرين والأكبر في معدلات الجريمة وتهريب المخدرات.
إذن نلاحظ تحميل القطاع الخاص عبء القطاع العام وفرض شروط الاستحصال من قبل الدولة المدينة على الدائن بينما هذا الأخير هو الذي يضع الشروط والتسهيلات على الجهة المدينة وليس العكس.
كذلك إن اعتبار الدولة مفلسة هو أمر ينافي الحقيقة من أجل إعفاء “المركزي” والدولة من موجباتهما. فالدولة ليست تاجراً لكي تفلس وما من سلطة عليا أو محكمة تعلن إفلاسها. ولا يمكن بيع أصولها. شخصيتها المعنوية لا تزول بالإفلاس. ولا تنظيم للإفلاس بالقانون اللبناني ولا بالقانون الدولي. فالدولة يمكن أن تتعثّر بتسديد ديونها للقطاع المصرفي، بدليل أن القضاء اللبناني سبق أن ردّ دعاوى من المصارف بقضايا إعلان إفلاس هيئات معنوية عامة تأكيداً لمبدأ عدم إمكانية تعطيل استمرار مرفق عام. والدولة ما زالت قائمة وناشطة ولديها الأصول اللازمة لسدّ الديون تجاه المصارف.
وبحسب الخطة الإنقاذية للحكومة التي شاركت فيها جوستيسيا يمكنها إنشاء محافظ عقارية وإنتاجية عبر تجميع ومسح الأراضي التي تملكها، وهي منسيّة ومهملة أو معتدى عليها وإدارتها بطريقة ريعية صحيحة، وإطفاء الدين المصرفي من العائدات، بالإضافة الى عائدات أخرى مرتبطة بتحسين قطاعات الدولة الإنتاجية كالمرافئ، المطار، المدن الرياضية، قطاع الاتصالات، مؤسسات المياه، الميدل إيست، كازينو لبنان، تلفزيون لبنان، الإذاعة اللبنانية، الريجي والمواقع الأثرية وغيرها… يمكن إدخالها في صندوق استثماري”.
إعادة هيكلة ام إعادة تنظيم؟
 
ويضيف: “وفي ما يتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي من الأفضل استبدال العبارة بإعادة تنظيم القطاع المصرفي وفق الروحية والأسس التي ذكرتها سابقاً، ومع إدخال بعض التعديلات والتطوير على بنيته نبقي عليه دون استبداله بقطاع جديد غير واجب حالياً”.
ويرى مرقص “أن إطار الخطة الذي وُزّع ورقياً، وهو يمثّل إطار الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد في مجلس الوزراء قبل نحو أسبوع، خطير في مضمونه لناحية إعفاء مصرف لبنان من أي مسؤولية وأي عبء، وتحميل القطاع المصرفي والمودعين كل الأعباء، ما سيؤدّي الى شطب رساميل المصارف التي كان يعمل على إعادة تكوينها بدليل أن مصرف لبنان كان قد طلب زيادة رساميلها بنسبة 20% قبل نحو عامين بموجب التعميم الشهير رقم 154”. ويسأل “ما الذي يبرّر أن تأتي هذه الخطة لتدمير أي عملية ترميم إيجابي للقطاع المصرفي وإطاحته معطوفاً على التعديلات المطلوبة على السرية المصرفية لمصلحة القضاء بمختلف أركانه والمالية والإدارة الضريبية، إضافة الى قانون الكابيتال كونترول، لنكون أمام تغيير لوجه القطاع المصرفي في لبنان؟”.
ويختم مرقص: “هذه المذكرة الحكومية التي هبطت على الوزراء للنقاش في مهلة أسبوع تخالف الفقرة “و” من مقدمة الدستور (النظام الاقتصادي الليبرالي الحرّ) والمادة ١٥ (الملكية الخاصة)
وتعرّض القانون الذي سيحمل الخطة للإبطال أمام #المجلس الدستوري لخرقه العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعام ١٩٦٦ الذي أبرمه لبنان عام ١٩٧٢ والتزامه في مقدمة دستوره، من حيث إنه يوجب آلية محصورة وضيّقة لتقييد الحقوق لأنها تشطب وتغيّر في رساميل المصارف وحقوق المساهمين وبعض المودعين (فوق ١٠٠ ألف دولار )”.
تحتاج معالجة الاختلالات وتوحيد أسعار الصرف إلى إعادة تنشيط وانطلاق العجلة الاقتصادية. ويحتاج النشاط الاقتصادي بدوره للتمويل المصرفي. ويحتاج الأخير إلى إعادة رسملة المصارف واجتذاب المصارف للودائع خاصةً الـ Fresh. ولن يكون كل ذلك ممكناً بغياب الثقة والإصلاحات. ولكن متى تطبق الإصلاحات؟
المصدر
annahar.com
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق