الأخبار و الصحف

التعنيف في الحضانات تابع… القانون يحمي الأطفال والمعنيون يتركونهم!

(11/07/2023)

كتبت نوال برو في “السياسة“:

في مشهد صادم ولا إنساني ووسط قسوة لا تحتمل، ظهرت الحاضنة جيني حلو خوري أمس في مقطع فيديو تعنف فيه أطفالا لا تتجاوز أعمارهم السنة الواحدة في حضانةGarderêve .  لاقت هذه الفيديوهات صدى واسعًا عند  اللّبنانيين، واقعةً  كالصخر على قلوبهم، متوعدين  بضرب مبرح للمربية في حال رؤيتها بعدما تخيلوا أولادهم مكان هؤلاء الأطفال . فكيف حال أهالي الأطفال المعنفين الذين شاهدوا فلذات أكبادهم في هكذا موقف؟

وفي تفاصيل هذه الفيديوهات المروعة، تظهر “المربية” وهي تحاول اجبار ابنة ال ١١ شهرا على تناول الطعام، لتضربها بعد ذلك بسبب رفضها الأكل .

وفي فيديو آخر، تلقى طفل ضربة قوية على رأسه بعدما بصق، عن غير قصد، الطعام الذي أدخل إلى فمه بكمية كبيرة.

وفي فيديو آخر، تلقى طفل ضربة قوية على رأسه بعدما بصق، عن غير قصد، الطعام الذي أدخل إلى فمه بكمية كبيرة.

لم تكترث جيني لما قد ينجم عن ضرباتها الموجعة وتعاملها الوحشي مع الأطفال. ربما أدت العناية الإلهية لفضح تصرفاتها قبل أن تتسبب “تربيتها” للأطفال باختناق أحدهم أو إيذائهم أو حتى قتلهم.

 للأسف، الألم لم يكن جسديا فحسب، بل ترافقت هذه التصرفات مع صراخ وشتائم وألفاظ نابية، ليقضي الأطفال أوقاتا صعبة في بيئة أفسد  من بيئة الشوارع في الوقت الذي يظن به الأهالي الساعين وراء لقمة عيشهم أنهم تركوا أطفالهم في بيئة سليمة ليقضوا فيها أوقاتا ممتعة.

اليوم، وبعد توقيف المعنفة وصاحبة الحضانة، ما زالت التحقيقات جارية وما زال مصدر هذا الحقد على أطفال عاجزين عن التعبير عن ألمهم النفسي والجسدي مجهولا.

في هذا الإطار، يؤكد المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة JUSTICIA والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ  أن “حق الطفل في حياة كريمة والنمو والإنفاق عليه والحفاظ على صحته من أهم الحقوق التي نصّت عليها الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل لعام ١٩٨٩ التي وقّع عليها لبنان، وقد عرّفت المادة ١٩ منها، العنف ضد الأطفال، على كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو الإستغلال كافة، بما في ذلك الإساءة الجنسية”.

وتعرّف منظمة الصحة العالمية العنف بأنه الاستخدام المتعمد للقوة أو الطاقة البدنية، المهدّد بها أو الفعلية، ضد أي طفل من قبل أي فرد أو جماعة، وتؤدي الى ضرر فعلي أو محتمل لصحة الطفل أو لبقائه على قيد الحياة أو نموه أو كرامته، بحسب مرقص.

و ما يثير الحيرة والريبة هو غياب  دور الدولة التي يفترض أن تتأكد من سلامة الأطفال وصحتهم الجسدية كما النفسية لاسيما خلال تواجدهم في مؤسسات تربوية مرخصة من جهتها.

إذ يشدد مرقص في حديث مع موقع السياسة على أن “للدولة دورًا مهمًا في حماية حقوق المواطن ولاسيما حقوق الطفل”. ووفقًا له وفي ما يتعلّق بدور الحضانة فإن الجهة القانونية المشرفة عليها في لبنان هي وزارة الصحة وهي التي تمنحها التراخيص لممارسة عملها، كما وتمارس الرقابة عليها، وفي حال مخالفة أحكام مرسوم تحديد شروط الترخيص (المرسوم رقم ٤٨٧٦/٢٠١٠) من قبل دور الحضانة يمكن سحب ترخيصها بناءً على اقتراح مدير عام وزارة الصحة العامة واستطلاع رأي الوحدة المعنية في الوزارة”.

وفور انتشار هذه الفيديوهات،  بدأ اللبنانيون الغاضبون يطالبون بعقوبات قاسية “لتربية المربية”، فمنهم من طالب بإعدامها ومنهم من طالب بسجنها وتعذيبها. ولكن ماذا يقول القانون عن عقوبة معنفي الأطفال؟

في هذا السياق، يوضح مرقص أن  “الأحكام القانونية التي تطبق على المخالفات والجرائم التي قد تنجم عن الأعمال الجرمية، القصدية وغير القصدية، المتعلقة بممارسة النشاطات المرتبطة بدور حضانة الأطفال هي أحكام قانون العقوبات عينها التي تطبق على الايذاء القصدي لاسيما المواد 554 وما يليها وغير القصدي في المواد 564 وما يليها على كل الأعمال الناجمة عن تقصير أو الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة والتي تنشأ عنها أضرار جسدية أو معنوية أو مادية”.

والعقوبات لا تقتصر فقط على المعنفة، بحسب مرقص. إذ”يعاقب قانون العقوبات في المادة 567 منه كل من تمنّع إرادياً عن إغاثة أو إسعاف أو مساعدة أي شخص وجد في حالة خطر داهم وحال، وكان بوسعه تقديم المساعدة من دون أن يعرّض نفسه أو غيره للخطر، أو تمنّع إراديًا عن الحؤول دون وقوع إيذاء جسدي من أي نوع كان على شخص آخر، وكان بوسعه دفع الإيذاء دون تعريض نفسه أو غيره للخطر”.

ويلفت مرقص إلى أن لبنان سبق أن وقّع على عدّة اتفاقيات مرتبطة بحقوق الطفل والانسان”، الا أنه يرى أن “لا يكفي التصديق على هذه الاتفاقيات للتمكن من حماية الأطفال، بل يجب متابعة العمل متابعة تطبيقية، كما يجب تشديد عقوبة الايذاء بحال حصوله على طفل لا سيّما من قبل شخص مشرف عليه”.

ويشرح مرقص أن القانون ٤٢٢ لعام ٢٠٠٢ ينص على حماية الأطفال من كافة اشكال العنف والاعتداءات الجنسية.

ويعتبر مرقص أن  المشكلة تكمن في وجود الكثير من الحالات التي لا يتم الاخبار عنها، ولذلك يجب تفعيل دور النيابة العام اكثر في هذا المجال لتقصي وضع الاطفال الذين هم في خطر أو المعرّضين لأذى داخل دار الحضانة، كما وتكريس مساعدين اجتماعيين اكبر لهذه القضايا حمايةً للطفل ولمنع حصول جرائم مروّعة بحق الأطفال، ولا ننسى الدور المهم الذي يجب أن تمارسه وزارة الصحّة في الكشف الدوري على دار الحضانة وأن تتأكّد من أنها مستوفية الشروط وكيف يعامل الأطفال فيها، بحسب مرقص.

إذا لا بد من أن تكثف وزارة الصحة زياراتها المفاجأة إلى الحضانات وأن تمارس دورها الرقابي، إلى جانب الجهات المتخصصة، منعا لترك الأطفال رهينة للوحوش البشرية التي لا تمتلك ذرة من الإنسانية. وبعد هذه المشاهد، سيفكر الأهالي ألف مرة قبل ترك أولادهم في أيادي المربين، وهذا ما يتطلب قيام الحضانات بما يلزم لزرع الثقة بأدائها من جديد وإثبات أنه “مش كل أصابعك مثل بعضها” عبر تجهيز الصفوف بالكاميرات وتوظيف أشخاص يعرفون كيفية التعامل مع الأطفال بالإضافة إلى وجوب التأكد من أنهم أصحاء نفسيًا.

مع الإشارة إلى ضرورة أخذ تصريحات الأهالي عن معرفة الحضانات بمواعيد الزيارات الرقابية بعين الاعتبار لأنّ هذا الفلتان يدفع ثمنه الصغار في نهاية المطاف وأهاليهم.

ويتبيّن وفقًا لما سبق أنّ القانون واضح وهو يحمي الطفل لكنّ المشكلة هي ذاتها دومًا وتكمن في التطبيق.

المصدر: السياسة

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق