الأخبار و الصحفالأخبار و الصحف

“انتفاضة” لبنان لعودة النازحين السوريين الى ديارهم تواجه عقبات داخلية وسورية ودولية وأممية…

الوزير عصام شرف الدين مع الرئيس ميشال عون.

الوزير عصام شرف الدين مع الرئيس ميشال عون.

 “إنجازان” يأمل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يتحققا قبل نهاية عهده في 31 تشرين الاول (اكتوبر) 2022، ولأن المهلة الزمنية قصيرة، فالرئيس يريد ان يبدأ السير بهذين الانجازين بعد وضع القواعد الكفيلة باستمرارها بعد نهاية الولاية، فيتولى الرئيس العتيد متابعتهما او حكومة تصريف الاعمال… اذا تعذر تشكيل حكومة جديدة كما هو واضح حتى الساعة. “الانجاز” الاول هو بدء التدقيق المالي الجنائي في الحسابات المالية لمصرف لبنان وهو بدأ فعلياً يوم الاثنين 27 حزيران (يونيو) الماضي ويفترض ان تصدر شركة التدقيق “الفاريز ومارسال” التقرير الاولي بعد شهرين ونصف الشهر اي قبل نهاية شهر ايلول (سبتمبر) المقبل بحيث يتضمن المعطيات الاولية التي تؤسس لاستمرار التدقيق لاحقاً. صحيح ان رغبة الرئيس عون الشديدة هي الادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وكف يده عن الحاكمية، لكن هذا الامر ليس بالسهولة التي يظنها الفريق الرئاسي لأكثر من سبب. من هنا فإن هذا الفريق يريد من التدقيق الجنائي ان يخرج بــ “ادانة” لاداء سلامة على امل ان تستخدم هذه الادانة في مسار الدعوى القضائية التي لا تزال تدور في حلقة مفرغة لاسيما وان صدى كلام الرئيس نبيه بري لا يزال يتردد في الاوساط والمحافل السياسية والذي قال فيه: “احضروا لي بقصقوصة ورق تدين سلامة وانا بشيلو قبلكم”…. لكن هذه “القصقوصة ورق” غير متوافرة بعد، فهل يوفرها تدقيق “الفاريز ومارسال” ام لا؟ تلك هي المسألة.

استكمال خطة عودة النازحين السوريين

اما “الانجاز” الثاني فهو استكمال خطة اعادة النازحين السوريين الى بلادهم والتي كان بدأها المدير العام للأمن العام في العامين الماضيين ثم توقفت من دون ان تعرف الاسباب، في وقت ظلت المبادرة الروسية لاعادة النازحين مجمدة بعد “تطويقها” من عدد من دول القرار ما ابقى هذا الملف اسير التجاذبات الدولية والاقليمية وسط عدم رغبة واضحة من الدول الاجنبية في اعادة النازحين السوريين الى بلادهم وذلك لاستعمال هذه العودة في “البازار” المفتوح لايجاد حل سياسي للأزمة السورية، وذلك على رغم ان الاستقرار عاد الى 90 في المئة من الاراضي السورية ولم يبق … الا جيب واحد على الحدود مع تركيا. لقد اتى تحريك ملف النازحين، على خطين، خط داخلي وخط خارجي، فعلى الصعيد الداخلي توالت مواقف الرئيس عون التي اضاءت على التكلفة التي يتكبدها لبنان جراء النزوح السوري الى اراضيه خصوصاً مع وجود نحو مليون و500 الف سوري على الاقل على اراضيه. ثم كانت “صرخة” رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فيما تحرك وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الاعمال عصام شرف الدين لوضع رغبة الدولة اللبنانية موضع تنفيذ لجهة اعادة دفعات منهم شهرياً. ولعل ما عزز التحرك الرسمي هو تنسيق المواقف بين الرئيسين عون وميقاتي، والدعم من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وحزب “القوات اللبنانية” وشخصيات اخرى. ولأن تحقيق العودة الآمنة للسوريين الى ارضهم، ولو على دفعات، يحتاج الى متابعة من الدولة السورية الشريك الاساسي في تسهيل هذه العودة، فقد اعلن الوزير شرف الدين عن اتصالات مكثفة مع الجانب السوري “لتأمين عودة آمنة وكريمة للنازحين السوريين إلى بلادهم. ولمسنا تجاوباً كاملاً من الدولة السورية بتجهيز مراكز إيواء على قاعدة جغرافية، وهذا يعني تأمين قرية مقابل قرية، أو ضاحية مقابل ضاحية في سوريا، وبموجب الإحصاءات في لبنان من قبل وزارة الداخلية، سيصبح بإمكانهم العودة إلى قراهم بشكل تدريجي وممنهج، وكل شهر يخرج من لبنان عدد مقبول (15 ألف شخص)، وبهذه الطريقة نكون قد أمنا مراكز الإيواء مع البنى التحية وكل شيء يحتاجه اللاجئ، وفي الوقت نفسه يكون قد عاد إلى قريته وأرضه وعمله، ونحن متفقون على هذا المخطط مع الجانب السوري”. وتنطلق هذه الخطوة من دراسة قانونية أعدها المحامي الدكتور بول مرقص (رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية)، بصفته استشارياً مستقلاً لدعم الموقف التفاوضي اللبناني، وهي تستند إلى قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه، وإلى مذكرة التفاهم الموقعة بين لبنان والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمعاهدات والمواثيق الدولية التي يلتزم بها لبنان. هذه الخطة التي تحدث عنها وزير المهجرين، ما زالت قيد البحث مع المنظمات الدولية، لاسيما مع مفوضية شؤون اللاجئين بشخص ممثل مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان أياكي إيتو. وأضاف “توافقنا على بعض النقاط، وهناك نقاط طلب مهلة لمراجعة إدارته فيها، ولكن مبدئياً رحب بفكرة أن يكون هناك لجنة ثلاثية سورية – لبنانية – أممية”، مشيراً إلى أن إيتو “كان لديه هاجس على مصير المعارضين، وقلت إن مصيرهم إما كتابة تعهد أن لا يناقشوا أموراً عسكرية في الأراضي السورية، وأن يتقيدوا بالشروط القانونية، وإما كمفوضية يتم ترحيلهم إلى بلد ثالث، وكان متجاوباً وبالفعل ووعدني أن ينظر بهذا الموضوع بشكل أكثر جدية”.

من جهته، قال المحامي مرقص ان القضية “تحظى باجماع لبناني وطني بعيداً عن الاعتبارات الأخرى، لأن أحداً لا يستطيع في لبنان أن يتحمل أعباء النزوح خصوصاً أن أعدادهم تفوق حالياً 1.8 مليون نازح”. ووفقاً للمذكرة التي أصدرتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين “يحق للدول بموجب القانون الدولي طرد الأشخاص الذين يتبين أنهم ليسوا بحاجة إلى حماية دولية، وأنه من واجب بلدان الأصل أن تسترد مواطنيها، وينبغي أن تتم العودة بطريقة إنسانية مع احترام كامل لحقوق الإنسان وكرامته”.

وتأخذ مبادرة إعادة النازحين بالاعتبار المخاطر الأمنية التي تهدد حياة بعض السوريين في حال إعادتهم مكرهين، وشدد مرقص على أن الدراسة التي أعدها “تلزم السلطات اللبنانية قانوناً بمنح أي مواطن سوري مدرج ضمن قرار الترحيل، الوقت الكافي لتقديم الدفاع عن نفسه والاعتراض على قرار ترحيله وتوضيح أسباب عدم رغبته بالعودة إلى سوريا، ومراجعة القضاء أو البحث عن بلد آخر للانتقال إليه”، معتبراً أن هذا الأمر “يجب أن يحترم القواعد الإنسانية العامة والمحمية بموجب القانون الدولي”. ولفت إلى أن الدراسة التي أعدها “تراعي المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي انضم إليها لبنان، والتي تنص على أنه لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب…”.

ملف النازحين أمام وزراء الخارجية العرب

 لكن، وفي مواجهة التصميم اللبناني بتطبيق الخطة، ثمة من يتحدث عن ان نجاحها مرهون بعاملين اثنين: الاول تجاوب الدولة السورية مع المبادرة اللبنانية لاسيما لجهة عدم تعريض العائدين لأي مضايقات من أي نوع كان، والثاني تسهيل المجتمع الدولي للعودة واستمرار الامم المتحدة بتقديم مساعداتها المادية والعينية الى العائدين في سوريا، بدلاً من تقديمها اليهم في اماكن نزوحهم في لبنان، لأن استمرار دفع المساعدات داخل الاراضي اللبنانية تدفع بالنازحين الى البقاء في لبنان، والتحجج بالاعتبارات الامنية لعدم العودة، علماً ان ما يزيد عن 600 الف نازح سوري في لبنان اقترعوا للرئيس بشار الاسد في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، وقدموا الى السفارة السورية للقيام بواجبهم الانتخابي، وهؤلاء ليسوا حتماً ملاحقين من النظام السوري والا لما كانوا اتوا الى السفارة السورية طوعاً من دون الخشية من توقيفهم او التعرض لهم. وفي هذا السياق، تقول مصادر حكومية لبنانية ان القيادة السورية ابلغت القيادة اللبنانية رسمياً باستعدادها لتسهيل عودة النازحين من ضمنهم المعارضين، شرط الا يكونوا من مرتكبي الجرائم، على ان يوقع المعارض كتاب تعهد بعدم القيام باي اعمال تخريبية او مخلة بالاستقرار…. لكن الوصول الى موافقة المجتمع الدولي على الخطة اللبنانية يتطلب احتضاناً بشكل او بآخر من الدول العربية. من هنا اتى مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية الذي التأم في بيروت في 2 تموز (يوليو) الجاري، فرصة اوصل فيها لبنان صوته الى الدول العربية في هذا الملف الآخذ في الحماوة بين لبنان والغرب منذ مؤتمر بروكسل في ايار (مايو) الماضي. صحيح ان العرب ليسوا فريقاً في هذا الملف، وليس ثمة ما هو مطلوب منهم او معنيون بالاهتمام به، ولا مرجعية لهم فيه تمكنهم من ايجاد حل لاولئك. الا ان من الضروري ان يتطرق الوزير عبدالله بوحبيب الى المشكلة هذه، لذلك توسع في شرحها، بغية اطلاعهم اولاً على الموقف المستجد للبنان من النازحين السوريين، واتاح الفرصة امام الاجتماع التشاوري والمشاركين فيه للاحاطة  بموقف لبنان. لم يتوقع بوحبيب رد فعل منهم او اي تعقيب. الا انه اسهب في شرح مقتضيات القرار اللبناني الجديد، المتوافق عليه في الداخل، بازاء ما يعتزم لبنان اتخاذه من اجراءات في ظل الاهمال الغربي المتعمد للمشكلة المتفاقمة في الداخل. اضف رغبة لبنان في حشد تأييد ودعم عربيين اولاً لخياراته الجديدة. قاسم بوحبيب في هواجس النازحين السوريين نظيره الاردني ايمن الصفدي الذي تطرق ايضاً الى مشكلة المملكة معهم، بكلامه عن بطالة بلغت 50 في المئة لدى الشباب الاردني، من جراء النزوح السوري وقارب نحو 300 الف نازح داخل المجتمع الاردني. ولبنان الذي يعرف ان العرب ليسوا المرجعية القادرة على المساعدة في حل مشكلة النازحين، الا انه استفاض فيها امامهم علماً ان المعضلة الحالية هي مع الغرب الذي يرفض الى الآن استجابة مطلب لبنان وضع خارطة طريق لها خواتيمها في معالجة مشكلة النزوح. ما كان في وسع لبنان احتماله منذ الموجة الاولى باندلاع الحرب السورية عام 2011 بات عاجزاً عليه بعد انقضاء اكثر من عقد. فقد مقدرته على استيعابهم، والانفاق عليهم، وانهاكهم قدراته وبناه التحتية واوشك على الانهيار الكامل. في المقابل يمتنع الغرب عن الخوض في المشكلة، قاصراً اياها على استمرار النزاع مع نظام الرئيس السوري بشار الاسد. العرب بدورهم غير معنيين بالنزوح كمشكلة في ذاتها، سواء على اراضيهم او كقضية انسانية واجتماعية، الا انهم الآن – بتفاوت انظمتهم – على طريق التخلص من عدائهم للاسد والانفتاح عليه مجدداً. لا يعاني من النازحين السوريين الا البلدان المجاوران لسوريا وهما لبنان والاردن. لقد اعاد بوحبيب في الاجتماع التشاوري تأكيد وحدة الدولة اللبنانية، بعد انقسام طويل بلغ حد التناحر المذهبي، حيال وضع حد لملف النزوح بالاعتماد على قوانينها وانظمتها، مع اظهار الخشية من ان ابقاء النازحين بلا حلول لعودتهم يرمي الى تكريس بقائهم في لبنان بكل ما تعكسه ارتداداته الاقتصادية والاجتماعية وتداعياته الامنية على الداخل وصولاً الى تقويض الهوية الوطنية للبنان. وهو ما يرفضه البلد المضيف وبات يُجمع على التخلص منه، ولن ينتظر الى ما لا نهاية خارطة طريق بروزنامة محددة. وروى بو حبيب للوزراء انه سمع من سفير دولة اوروبية كبيرة يسأل عن سبب احجام لبنان عن ادماج النازحين السوريين في مجتمعه. ولم يتردد سفير اوروبي آخر من دول الصف الثاني في التلويح بأن ابعاد لبنان النازحين السوريين عن اراضيه قد يحمل دولته على حجب مساعداتها عنه، مع تلويح باقتداء اوروبي مماثل.

لبنان يريد بدلاً عادلاً يعوض 33 مليار دولار 

لكن الرد اللبناني كان واضحاً لجهة ان الاكلاف الحقيقية المباشرة لمشكلة النزوح السورية في لبنان بلغت نحو 3 مليارات دولار سنوياً، أي ان ما تكبده لبنان نتيجة ازمة النزوح السوري على مدى 11 عاماً قارب من 33 مليار دولار اميركي. ولن يتردد لبنان، وفق مصادر رسمية بطلب “البدل العادل” الذي يستحقه عن الفترة السابقة كلها يراوح بين 20 مليار و 25 مليار دولار، خصوصاً ان مسألة النزوح كانت هي النقطة التي فاض الكوب بها وادت الى انفجار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط بها. ولعل ما يستثير الحكومة اللبنانية هو أن الجهات التي تدعم النازحين في لبنان غالباً ما تقدم مساعداتها إليهم مباشرة أو من خلال أطراف ثالثة، ومن دون المرور بالسلطة اللبنانية وينظر كثير من المسؤولين إلى هذا التصرف في اعتباره جزءاً من الحصار السياسي والاقتصادي الذي يمارسه بعض القوى الدولية. وتحت شعار تراجع الثقة في السلطات اللبنانية، تدخل الأموال عبر أقنية أخرى، فلا يستفيد منها لبنان الذي يعاني أسوأ أزماته. وثمة امتعاض لدى المسؤولين من هذا السلوك الذي لا يتم اعتماده في بلدان النزوح الأخرى، بل يقتصر على لبنان من دون سواه. وللتذكير، غالباً ما يلجأ الأتراك إلى التلويح بإطلاق قوافل النزوح براً وبحراً إلى أوروبا ما لم يحصلوا على الدعم المالي المطلوب. وحتى اليوم، نجحت هذه السياسة في تحقيق الغايات منها. وكذلك، يحصل الأردن من خلال حكومته على دعم مالي دولي في مسألة النازحين السوريين.

واضح أنّ لبنان قرّر أن «ينتفض» في مسألة الدعم الدولي للنازحين السوريين الموجودين على أرضه،  فهل يهدف الى رفع هذا السقف للحصول على مبالغ من المال يحتاج إليها في شكل طارئ لتتمكن الدولة من الاستمرار في الحد الأدنى، أم هو يستعد لمرحلة ستفتح فيها أبواب الاتصال مع دمشق حول كثير من المسائل الاقتصادية والاجتماعية العالقة؟ وفي أي حال، إلى أي حد يستطيع لبنان استخدام أسلوب التشدد في مخاطبة أوروبا والمجتمع الدولي في ملف النازحين؟ يقول متابعون ان ثمّة عقبات أمام الحكومة اللبنانية يمكن أن تضعف «انتفاضتها» في مسألة النازحين، وأبرزها:

١ – صعوبة اتخاذ إجراءات ملموسة تعيد النازحين السوريين إلى بلادهم، لأن هذا الأمر يتطلب التنسيق المباشر والحثيث مع الحكومة السورية. وحتى اليوم، ليس هناك أي توجه لبناني واضح للدخول في هذه المسألة رغم تحرك الوزير شرف الدين.

٢ – يتحدث المسؤولون اللبنانيون عن التباس في تصنيف النازح السوري، في كثير من الحالات. فهناك النازح، وهناك العامل، وهناك المقيم. وغالباً ما يقع التباس في التصنيف. ويقول هؤلاء إن كثيراً من السوريين يدخلون في استمرار إلى سوريا ويقيمون فيها أحياناً، ثم يعودون إلى لبنان للإفادة من الدعم المخصّص للنازحين. وضبط هذه الحالات يستلزم إجراءات وجهوداً استثنائية من الجانب اللبناني لمنع حالات الالتباس.

٣ – سيكون متعذراً إقناع القوى الدولية المانحة بالتعاطي مباشرة مع السلطات اللبنانية وتسليمها الأموال المخصصة للنازحين السوريين، ما دامت هذه القوى تحجب دعمها عن الحكومة اللبنانية وتفرض الحصار عليها، وتشترط عليها عقد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإجراء الإصلاحات أولاً.

٤ – من سوء أقدار الملف السوري اندلاع الحرب في أوكرانيا. وقد حذّر مسؤولون في الأمم المتحدة من أن تصبح سوريا أزمة منسية بسبب انشغال العالم بأوكرانيا. ولذلك جاء الدعم الذي قدمه مؤتمر بروكسل إلى النازحين السوريين فاتراً هذه المرة. وتجدر الإشارة إلى أنّ عدد النازحين الأوكرانيين قارَب 14 مليوناً، أي نحو ثلث السكان، نصفهم تقريباً نزحوا إلى مناطق داخل أوكرانيا، فيما النصف الآخر عبر الحدود إلى البر الأوروبي، ولا سيما بولونيا (3 ملايين ونصف مليون) ورومانيا ومولدافيا (نحو مليون). وإذا استمرت الحرب أشهراً إضافية فستغرق أوروبا في أزمة النازحين الأوكرانيين، في لحظة حَرجة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، بحيث لا تكون القارة العجوز قادرة على التفكير بأزمات أخرى، بما في ذلك سوريا.

المشكلة أن الحكومة اللبنانية تحتاج بنحو طارئ إلى الدعم الخارجي لمواجهة الانهيار المالي، ولو تحت عنوان النازحين. ولكن، ثمة من يخشى أن يبقى أي دعم خارجي، من أي نوع كان، رهناً بالشروط السياسية في الدرجة الأولى. فلبنان الذي يفكر في المطالبة بأكثر من 20 مليار دولار للنازحين، ويعمل لتحريك 11 ملياراً تم إقرارها في مؤتمر «سيدر»، والحصول على بضعة مليارات من صندوق النقد الدولي، لا يبدو قادراً على تحصيل شيء عملياً في المدى المنظور وعلى الأرجح، سيتخبّط لبنان في ملف تمويل النازحين السوريين كما في مسألة عودتهم، إلى أن تنضج التسويات السياسية المناسبة، بدءاً من سوريا!.

المصدر
alafkar.net
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق