قبل أربعة وعشرين ساعة من جلسة الخميس الرئاسية، ازدحمت الساحة السياسية بالاتصالات على خطوط المقرات المعنية، وبحركة الموفدين التي لم تهدأ منذ مطلع العام، من زيارة الموفد القطري، إلى السعودي، إلى الأميركي وصولاً إلى الفرنسي، بيد أن كل هذا الحراك لم يفض إلى تفاهم الكتل النيابية على مرشح يمكن أن ينتخب في الدورة الأولى أوالثانية، وإن كانت مصادر نيابية ترى أن الرئيس سوف ينتخب قبل العشرين من الجاري، ربطاً باتفاق كامل متكامل يتعلق بالرئاسة والحكومة وباتفاق وقف اطلاق النار وتنفيذ القرارات الدولية.
وفي الساعات الفاصلة عن موعد الجلسة، ورغم أن قائد الجيش لا يزال الأوفر حظاً، عاد إلى الواجهة أمس اسم الوزير السابق جهاد أزعور الذي يتقاطع عليه حزب “القوات اللبنانية“و”التيار الوطني الحر” ، وفيما طرح الدكتور سمير جعجع أمام الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للخصخصة زياد الحايك، فإن النائب جبران باسيل الذي التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في الساعات الماضية بعيداً عن الإعلام طرح اسمي أزعور والوزير السابق زياد بارود، معللاً طرحه بأهمية أن يحظى المرشح الرئاسي بتأييد دولي وعربي، في حين أن الرئيس بري لا يزال بحسب مصادر في تكتل لبنان القوي، لا يزال يفضل السير باللواء الياس البيسري وانتخابه في الدورة الثانية بـ65 صوتاً، في حين أن المصادر نفسها تشير إلى اللواء البيسري الذي لا يمانع انتخابه التيار الوطني والذي تم طرحه من قبل القطريين لا يحظى بدعم أميركي وسعودي وبالتالي فإن ليس باستطاعة الدوحة الدفع لانتخابه.
ويقول رئيس مؤسسة JUSTICIA والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص، لـ”لبنان24″: في عام 2008، وفي ظل تولي العماد سليمان منصب قائد الجيش، تم انتخابه رئيسًا للجمهورية رغم عدم استقالته بما يتناسب مع الشروط الواردة في المادة 49 من الدستور، التي تمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى “مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم.” كذلك، استنادًا إلى قانون الانتخاب بالنسبة إلى العسكري والذي يشترط مرور ستة أشهر على تركه الخدمة. ولذلك، لجأ مجلس النواب في انتخابات 2008 إلى الإفادة من المادة الدستورية رقم 74 للتنصل من تعديل المادة 49، حيث اعتبر أن ما حصل مع العماد سليمان كان “تجاوزاً للمهلة”، أي الستة أشهر التي تفرض استقالة قائد الجيش أو سواه من العسكريين من منصبه قبل الانتخابات، وأن هذه المدة سقطت نتيجة الخلاء الحاصل في منصب الرئاسة بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود عام 2007.
ويقول الدكتور مرقص: ثبت من خلال التجربتين الأخيرتين لاسيما في مناسبة الانتخابات الأخيرة لرئيس الجمهورية، أن عدداً من النواب يستفيد من غياب النص الصريح في المادة / 49/ من الدستور اللبناني المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، على «نصاب Quorum لانتخاب الرئيس يساوي على الأقل نصف عدد الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب في الدورات التالية لدورة الاقتراع الأولى، حيث اكتفى المشترع الدستوري بذكر «الغالبية» Majorite افتراضاً منه أن لا حاجة لفرض النصاب وعلى اعتبار أن الانتخاب سلطة واجبة الممارسة من النواب.
ويضيف مرقص: عدد من النواب توخى استخدام تعطيل «النصاب كوسيلة للتعبير السياسي وللتعبير عن خياراته الانتخابية عوض اللجوء إلى التعبير عن خياراته السياسية والانتخابية في الانتخاب نفسه مما أسفر عن تعطيل التئام المجلس وخلاء سدة الرئاسة، هذا الواقع أدى وقد يؤدي عملياً إلى تحكم 43 نائباً باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، وإلى منع مجلس النواب برمته من الانعقاد. وبناء عليه، اقترح مرقص تعديل الدستور للمادتين /49/ و /73/ لتقضي بأن ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورة الاقتراع الثانية وبالغالبية النسبية في الدورات التي تلي». ويحق لكل من تتوافر فيه شروط الترشيح التقدم إلى الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى أما في حال عدم فوز أحد المرشحين بغالبية الثلثين في الدورة الأولى، ففي الدورات التي تلي تنحصر المنافسة بالمرشحين اللذين تقدما في عدد الأصوات قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس ويواظب في مطلق الأحوال على الانعقاد في دورات اقتراع متتالية طيلة جلسة مفتوحة ومتواصلة إذا اقتضى الأمر. وتعتبر ساقطة حكما وفوراً نيابة عضو مجلس النواب الذي يتخلف عن حضور أي من الدورات في جلسة الانتخاب دون عذر مسبق مشروع ومقدم أصولاً، كما وفي حال رفض هيئة مكتب المجلس طلب المعذرة المقدم منه أو عدم مصادقتها عليه لمطلق أي علة كانت في مهلة أربعة وعشرين ساعة من تقديمه.
ورغم كل أهمية مواد الدستور المتصلة بالانتخابات الرئاسية واقتراح عدد من الدستوريين تعديل بعضها بما يمنع الفراغ الرئاسي ويقف سداً منيعاً أمامه، يطرح البعض بين الفينة والاخرى انتخابات مباشرة من الشعب، فرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، كان قد طرح على المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في ايار الماضي فكرة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، علما أنه سبق للرئيس السابق العماد ميشال عون أن دعا في العام 2014(قبل انتخابه في العام 2016) إلى تعديل الدستور لانتخاب رئيس جديد بالاقتراع المباشر من الشعب، ليعود رئيس التيار الوطني الحر ويدعو لإجراء الانتخابات الرئاسية من الشعب لكن على دورتين: دورة يشارك فيها المسيحيون حصراً، ودورة ثانية يشارك فيها جميع اللبنانيين.
من وجهة نظر الدكتور مرقص، هذا الأمر صعب ليس لأنه يحتاج إلى تعديل دستوري فحسب بل لأننا لسنا في نظام رئاسي وإنما برلماني، وثانيا لأن الأمر قد يفسّر بأنه إتيان برئيس مسيحي بأصوات أكثرية من المسلمين مما يعرّض صحة التمثيل في الحكم للاهتزاز وهو هشّ أصلاً.