(06/07/2024)هل تنطبق شروط الدولة الفاشلة على لبنان؟

ملخص

يمكن اعتبار لبنان أنه في وضع حرج ويتجه بشكل سريع نحو تطبيق كل المعايير لإعلانه “دولة فاشلة”

يعتمد تعريف الدول الفاشلة على معايير عدة، ولا يوجد تعريف رسمي أو قانوني متفق عليه عالمياً لمصطلح “الدولة الفاشلة” في القانون الدولي، وغالباً ما تشمل تلك المعايير عوامل مثل ضعف المؤسسات الحكومية، أي عدم قدرة الحكومة على بسط سيطرتها على أراضيها وتقديم الخدمات الأساسية وعدم الاستقرار السياسي وانهيار سيادة القانون وانعدام الأمن والنظام وارتفاع معدلات العنف والجريمة.

ويضاف إلى ما ذكر التأزم الاقتصادي وتدهوره مما يؤدي إلى عدم قدرة الدولة على تلبية احتياجات سكانها، بالتالي الفشل في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين والتوترات الاجتماعية، أي وجود انقسامات داخلية شديدة تؤدي إلى صراعات داخلية وأخيراً التدخل الأجنبي، حين تعتمد الدول بشكل مفرط على المساعدات الخارجية أو التدخلات العسكرية الأجنبية.

الحالة اللبنانية

تفاقمت أزمات لبنان خلال الأعوام الماضية، بخاصة منذ عام 2019، حتى أصبحت الحلول مستحيلة.

وتقف حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة نجيب ميقاتي عاجزة أمام الملفات المتراكمة الاقتصادية والمعيشية، من فقر وبطالة وفساد ودين عام وفراغ في المؤسسات، وغيرها من القضايا التي تتطلب حلولاً فورية وسريعة وجادة.

وأيضاً المعضلات السياسية المتشعبة والمعقدة، منها ما له علاقة بالنظام اللبناني، وأخرى بمصالح السياسيين الخاصة، مما خلق حالة انقسام عمودي وأفقي في بعض الحالات.

وبموازاة كل تلك الأزمات المستعصية دخل لبنان منذ تسعة أشهر على خط حرب غزة بمعارك وقصف عنيف يشهده الجنوب خلف مئات القتلى وخسائر مادية كبيرة، وكان أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله أعلن أن الساحة الجنوبية هي “ساحة مساندة” لغزة، في قرار منفرد عده كثيرون تجاوزاً للدولة وسلطتها، وهو ما علق عليه ميقاتي بالقول “قرار السلم والحرب ليس بيدي ولا بيد الحكومة”.

ومما لا شك فيه أن حالة عدم الاستقرار السياسي والفراغ الرئاسي المستمر منذ نحو سنتين، أضعف قدرة الحكومة على اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات اللازمة لإدارة البلاد بشكل فعال. يضاف إلى أن الأزمات السياسية تزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي، مما يؤدي إلى تراجع الثقة في الاقتصاد المحلي، كما أن الفراغ السياسي يؤدي إلى تدهور الوضع الأمني، إذ تستغل الجماعات المسلحة والعصابات المنظمة الوضع لمصلحتها.

حرب الجنوب وتعميق الجراح

موجهات إسرائيل و”حزب الله” المستمرة من أشهر تركت دماراً واسعاً بالبنية التحتية في بلدات الجنوب وأعباء اقتصادية متفاقمة بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين 2.5 مليار دولار بين أضرار مباشرة وغير مباشرة، أضف إلى ذلك نزوح أكثر من 100 ألف مواطن من بلداتهم، فيما ازداد النقص في الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والرعاية الصحية.

كما أدت تلك الحرب إلى زيادة في الانقسامات الطائفية والسياسية بين فريق ينادي بانتهاء هذه الحرب فوراً باعتبار أن لبنان لا يحتمل بوضعه الحالي الدفاع عن أحد، وأن الحزب نفسه هو من ورط لبنان بما يحصل من دون الوقوف عن رأي أحد، وفريق آخر يعتبر أن هذه المعارك هي واجب ولا بد منها على خط دعم الفلسطينيين، مما عمق الأزمات الداخلية وجعل حلها أكثر صعوبة وتعقيداً.

كذلك هددت هذه الحرب إلى حد ما الأمن الإقليمي، وتحديداً عندما حذر نصرالله قبرص، وقال إنها ستكون جزءاً من الحرب إذا سمحت لإسرائيل باستخدام مطاراتها وقواعدها لشن هجوم على لبنان.

كل هذه العوامل مجتمعة تجعل من الوضع في لبنان أكثر هشاشة، وتزيد من احتمالية تصنيفه كدولة فاشلة إذا لم يتوصل إلى حلول فعالة للأزمات المتعددة.

من يحدد معايير الدول الفاشلة؟

وبشكل عام هناك بعض المؤسسات والمنظمات البحثية والدولية التي تحدد معايير الدول الفاشلة، عبر اعتمادها على بيانات واسعة النطاق وتحليلات متعددة الأبعاد، لتقديم صورة شاملة عن أداء الدول، مما يساعد في تصنيفها على أنها دول مستقرة أو فاشلة أو في طريقها إلى الفشل.

ومن أبرزها مؤسسة “صندوق السلام: التي تصدر تقريراً سنوياً يعرف باسم “مؤشر الدول الهشة” الذي يعتمد على 12 معياراً، تتضمن جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية.

أيضاً هناك البنك الدولي الذي يقدم تقارير وتحليلات دورية حول أداء الدول، مع التركيز على المؤشرات الاقتصادية والتنموية.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يقوم بدوره بإصدار تقارير التنمية البشرية، التي تشمل مؤشرات تعكس جوانب مختلفة من الأداء الحكومي والخدمات العامة.

وهناك منظمات دولية أخرى مثل منظمة الشفافية الدولية التي تصدر مؤشر مدركات الفساد، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تقدم تحليلات وتقارير حول أداء الدول في مجالات مختلفة.

مؤشرات ومقاييس كمية

فيما يخص تبني المؤشرات والمقاييس الكمية يشير الكاتب والباحث الاستراتيجي الأكاديمي جمال سند السويدي إلى أنه “يمكن إيجاد معادلة تجمع بين مؤشرات ثلاثة تقيس الدولة الفاشلة، وهي “مقياس السلام العالمي” الذي يشمل 162 دولة، وفي نسخته لعام 2022 نجد أن ست دول عربية تتبوأ مراتب متدنية، ومنها اليمن في المرتبة الـ162 عالمياً والـ18 عربياً، وسوريا في المرتبة الـ161 عالمياً والـ17 عربياً، والعراق في المرتبة الـ157 عالمياً والـ16 عربياً، والسودان في المرتبة الـ154 عالمياً والـ15 عربياً، وليبيا في المرتبة الـ151 عالمياً والـ14 عربياً، وجاء لبنان أخيراً في المرتبة الـ138 عالمياً والـ13 عربياً.

أما المؤشر الثاني بحسب الباحث السويدي فهو “مؤشر التنمية البشرية” الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وشمل 191 دولة في نسخته الأخيرة لعام 2022، من بينها 21 دولة عربية، وحصل لبنان على المرتبة الـ112 عالمياً والـ13 عربياً.

أما المؤشر الثالث وهو “مؤشر الهشاشة” الذي كشف في تقريره الأخير عن وجود 120 دولة هشة، أتى لبنان ضمنها في المرتبة 27 عالمياً.

الدولة الفاشلة والقانون الدولي

يتفق معظم الباحثين على أن لبنان في وضع حرج ويتجه بشكل سريع نحو تطبيق كل المعايير لإعلانه “دولة فاشلة”، إذا لم تتخذ إجراءات جذرية للإصلاح ومعالجة المشكلات الأساسية التي يعانيها.

يقول رئيس مؤسسة “جوستيسيا” الحقوقية المحامي بول مرقص، في حديث مع “اندبندنت عربية”، إن مصطلح “الدولة الفاشلة” عادة، لا يعتبر تصنيفاً رسمياً يعلن من المجتمع الدولي من خلال إعلان رسمي، ويستخدم هذا المصطلح غالباً في النقاشات الأكاديمية والسياسية لوصف الدول التي تعاني نقائص شديدة في الحكم والأمن وتقديم الخدمات الأساسية.

ويتابع أنه “تعتبر الدولة ’فاشلة‘ عندما لا تستطيع توفير الوظائف والخدمات الحكومية الأساسية أو الحفاظ على النظام أو حماية حقوق الإنسان، أو التفاعل بشكل فعال مع الدول الأخرى”، ومؤكداً أنها لا توجد مادة قانونية دولية محددة تسمح للمجتمع الدولي بإعلانه رسمياً دولة (فاشلة) بالمعنى القانوني الملزم، إذ إن “تحديد دولة ما أنها فاشلة هو تقييم سياسي وإنساني معقد بدلاً من تصنيف قانوني صريح، ومع ذلك هناك أطر عدة وتوجيهات ضمن القانون الدولي حول كيفية استجابة المجتمع الدولي للحالات التي تظهر فيها الدولة عاجزة عن تقديم وظائف الحكم الأساسية أو حماية شعبها”.

https://shorturl.at/bNYB :مصدر 

Subscribe

Related articles

Banking Challenges and Developments in Lebanon and the Middle East

Amid the profound economic transformations taking place in Lebanon...

قانونياً وأمنياً.. هل سيتمكن لبنان من إجراء الانتخابات البلدية في موعدها؟ 01-02-2025

تجرى الانتخابات البلدية في لبنان بشكل دوري كل ست سنوات، حيث...

سررت بتلبية دعوة أمين السر العام في الحزب التقدمي...