ملخص
في خضم الفوضى المجتمعية والسياسية والأمنية التي يعيشها لبنان، تتزايد أعداد المتعاطين ومدمنين المخدرات، بخاصة حبوب الكبتاغون أو “كوكايين الفقراء” وتنتعش التجارة بها تحت رعاية قوى متنفذة
أثار قرار المحكمة العسكرية الدائمة في لبنان برئاسة العميد الركن خليل جابر، في مارس (آذار) الماضي، الذي أنزلت بموجبه عقوبة الإعدام غيابياً في حق اثنين من كبار تجار المخدرات في لبنان، نوح علي داوود زعيتر وعلي منذر زعيتر الملقب بـ”أبو سلة”، بجرائم تشكيل عصابة مسلحة بقيادة “أبو سلة”، وإطلاق النار على عناصر الجيش بقصد قتلهم، مما أدى إلى مقتل عريف وجرح آخرين، خلال عملية دهم قام بها الجيش في مدينة بعلبك، مطلع يونيو (حزيران) 2022، اهتمام اللبنانيين كما السوريين، لأن الحكم هو الأول من نوعه في حق التاجرين المذكورين اللذين يواجهان عشرات الأحكام الغيابية الصادرة في حقهما عن المحاكم العسكرية والعادية التي قضت بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بجرم تجارة المخدرات، وهي المرة الأولى التي يقضي حكم بإعدامهما لاتصال القضية بجريمة قتل ومحاولة قتل عسكريين.
وكانت المحكمة نفسها قد حكمت على مهدي زعيتر نجل نوح زعيتر، بالسجن أربع سنوات، لكنه نال حكماً بالبراءة مع خمسة آخرين “للشك وعدم كفاية الدليل”، وهو الحكم الثاني في حقه بالبراءة الذي يصدر عن المحكمة العسكرية بعدما سبق أن برأته مع شقيقه مهدي من محاولة قتل جنود الجيش بقذائف صاروخية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.
الحكم نال استحسان اللبنانيين بعدما تحول البلد إلى منصة ونقطة انطلاق لتهريب المخدرات والممنوعات وحبوب الكبتاغون إلى دول عربية وأوروبية. لكن ماذا يقول القانون عن أحكام الإعدام غيابياً وحيثياتها، وكيف تنفذ؟
حكم الإعدام في القانون
يقول المحامي بول مرقص رئيس مؤسسة “جوستيسيا” الحقوقية، والعميد في “الجامعة الدولية” للأعمال في ستراسبورغ، “إن تنفيذ حكم الإعدام الغيابي رهن بمثول أو إحضار المحكوم عليه غيابياً”.
ولكن هل ما زال لبنان من الدول التي تنفذ الإعدام؟ يشير الأكاديمي مرقص إلى أن “لبنان ما زال يعتمد عقوبة الإعدام في قانون العقوبات، إلا أن الحكم لا ينفذ عملياً بل يبقى المحكوم مسجوناً على نحو مؤبد إذا ضبط وسجن، فلو طبقت أحكام الإعدام الصادرة منذ سنين طويلة، والتي لم تطبق، لكنا شهدنا مجزرة”. ويتابع “عدم تطبيق أحكام الإعدام مرده إلى حاجة هذه الأحكام إلى موافقة السلطة التنفيذية، إذ ما زلنا نذكر مواقف بعض أركانها الرافض لذلك، كرئيس الوزراء السابق سليم الحص، خلافاً للبعض الآخر كرئيس الجمهورية الراحل إلياس الهراوي”.
لبنان ثالث منتج للحشيش في العالم
وفي خضم الفوضى المجتمعية والسياسية والأمنية التي يعيشها لبنان، تتزايد أعداد المتعاطين ومدمنين المخدرات، بخاصة حبوب الكبتاغون أو “كوكايين الفقراء”. وكانت الأمم المتحدة صنفت لبنان كثالث منتج للحشيش في العالم بعد أفغانستان والمغرب، على رغم أن زراعته محظورة ويعاقب عليها القانون اللبناني بالسجن والتغريم المالي. وتغيب الإحصاءات الرسمية لتبيان أعداد المدمنين، ولكن ووفقاً لجمعية “جاد” (المتخصصة بالتوعية والوقاية من تعاطي المخدرات)، فإن نسبة الزيادة في أعداد المدمنين تبلغ 400 في المئة، على أقرب تقدير.
وكان رئيس جمعية “جاد – شبيبة ضد المخدرات” جوزيف حواط قد أشار، في حديث صحافي في يوليو (تموز) 2023، إلى ارتفاع أعداد مدمني المخدرات في لبنان بصورة كبيرة، خلال السنوات الأخيرة، مضيفاً “تفاجأنا أخيراً بالعدد الهائل للأشخاص الذين يأتون إلى الجمعية طلباً للعلاج، وبمجرد أن تكون هناك كميات كبيرة هائلة من المخدرات في الأسواق حكماً سيكثر عدد المدمنين”. وأضاف حواط “أنواع الإدمان والمخدرات وطرق التعاطي تتغير حسب نوع المادة، وخلقت لدينا مشكلة الكبتاغون التي هي رخيصة”، وأشار إلى أن “نسبة تعاطي النساء ارتفعت، وهذا أمر خطر ومخيف لأن المرأة في المستقبل هي الأم والأخت والعائلة”.
ووفقاً للإحصاءات والدراسات المتخصصة، في تقرير للأمم المتحدة، فإن ما يقارب 60 في المئة من المتعاطين ينتمون إلى الفئة العمرية من 16 إلى 35 عاماً.
لبنان “منصة” لتهريب المخدرات
وكانت أطلقت تحذيرات من جهات ودول عربية وغربية عدة، خلال السنوات القليلة الماضية، من تحول لبنان إلى “منصة” لتهريب المخدرات إلى أوروبا والخليج، وفي أبريل (نيسان) 2012، قررت السعودية منع دخول شحنات الخضراوات والفواكه اللبنانية إليها أو العبور من خلال أراضيها، بسبب استغلال تلك الشحنات في تهريب المخدرات، جاء ذلك بعد إحباط عملية تهريب 2.5 مليون قرص “آمفيتامين” المخدر، وأعلن اليونان في الفترة نفسها ضبط أربعة أطنان من مخدر الحشيش مخبأة بشحنة آلات لصنع الحلوى متجهة من لبنان إلى سلوفاكيا. تلك الشحنات هي عينة عن عشرات من شحنات الكبتاغون والممنوعات التي تضبط من قبل حرس الحدود في بعض دول الشرق الأوسط، ويكون منشأها لبنان أو سوريا.
وبحسب مراقبين، فإن ازدياد وتيرة التهريب على صلة وثيقة بالحرب السورية، إذ نقل قسم من المهربين السوريين نشاطهم إلى لبنان.
سوريا مركز إقليمي لتجارة المخدرات
وكان المؤرخ والخبير في شؤون الشرق الأوسط جان بيير فيليو أشار في مقال بمدونته في صحيفة “لوموند” الفرنسية، يناير (كانون الثاني) 2022، إلى أن النظام السوري “طور الإنتاج الصناعي لمخدر الكبتاغون في سوريا، من أجل الالتفاف على العقوبات الدولية وترسيخ شبكات الولاء له، وأصبح ثنيه عن متابعة أو حتى تحجيم مثل هذه التجارة المربحة أمراً في غاية الصعوبة”، وتابع أن “الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام السوري أصبحت منطقة الإنتاج الرئيسة للكبتاغون”.
وفي السياق، كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد وقع في الـ23 من ديسمبر (كانون الأول) 2022، موازنة الدفاع لعام 2023 التي قدمها الكونغرس، وتضمنت قانوناً لمحاربة الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري.
وتزامناً مع فرض لندن عقوبات على 11 كياناً مرتبطاً بالنظام، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، في مارس 2023، عقوبات على ستة أشخاص، بينهم اثنان من أقارب الأسد، لدورهم في إنتاج المخدرات “حبوب الكبتاغون” أو تصديره، هما سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد، ابنا عم رئيس النظام السوري، إضافة إلى شركتين تنتجان المخدرات وأسماء لبنانيين يتعاونون بإنتاج المخدرات وتصديرها مع نظام الأسد عبر توريد مادة الحشيش أو حبوب الكبتاغون من معامل بمنطقة البقاع بلبنان.
وقالت الوزارة، في بيانها، إن حجم تجارة الكبتاغون التي يديرها نظام الأسد هي بمليارات الدولارات، كما أكدت “هيمنة عائلة الأسد على الاتجار غير المشروع بالكبتاغون لتمويل النظام القمعي”.