المستجدات والتحديات المصرفية في لبنان والشرق الأوسط اليوم

في ظل التحولات الاقتصادية العميقة التي يشهدها لبنان والمنطقة، يبرز كتاب الدكتور بول مرقص بعنوان “المستجدات والتحديات المصرفية في لبنان والشرق الأوسط اليوم” كمرجع قانوني واقتصادي مهم، يضيء على واقع القطاع المصرفي وتحدياته المتعددة، ويطرح رؤية نقدية متوازنة لمآلاته المستقبلية.

مقاربة قانونية – اقتصادية متكاملة

ينطلق بول مرقص، وهو محامٍ وأستاذ في القانون وخبير في الشؤون المالية، من قاعدة أن فهم الإشكاليات المصرفية يتطلب تداخلاً بين القانون والاقتصاد. فالكتاب لا يقتصر على عرض الوقائع المصرفية من زاوية نقدية، بل يقدم تحليلًا معمقًا للمنظومة القانونية التي تنظم العلاقة بين المصارف، الدولة، والمودعين. كما يسعى إلى توضيح الفجوات البنيوية في التشريعات المالية، وسبل الخروج منها.

لبنان: الأزمة نموذجًا

يشكّل القطاع المصرفي اللبناني مركز ثقل في الكتاب، إذ يعالجه الكاتب كنموذج لأزمة مصرفية معقدة تتشابك فيها الأبعاد السياسية، القانونية، والمالية. ويتناول مرقص في هذا السياق مفاهيم مثل السرية المصرفية، ضوابط السحب والتحويل (Capital Control)، وانهيار الثقة بين المصارف والمواطنين، في ظل غياب خطة إصلاح واضحة. كما يُبرز كيف أثرت القرارات السياسية والاجتهادات القضائية المتباينة على بنية النظام المصرفي برمته.

الشرق الأوسط: اختلاف السياقات، تشابه التحديات

يمتد تحليل الكتاب إلى دول المنطقة، حيث يشير إلى أن العديد من دول الشرق الأوسط تواجه تحديات مماثلة، مثل الحاجة إلى تحديث التشريعات المالية، تعزيز الشفافية، مكافحة تبييض الأموال، وتعزيز الشمول المالي. ومع ذلك، يوضح الكاتب أن السياقات تختلف بين الدول المصدّرة للنفط والدول ذات الاقتصاد الريعي أو التي تعاني من أزمات سياسية مزمنة.

المصارف في عصر الرقمنة والتنظيم الدولي

من أبرز المحاور التي يتطرق إليها الكتاب هو أثر التنظيمات الدولية كـ”بازل 3″، ومعايير مكافحة الإرهاب وتمويله، وكيفية تكيّف المصارف الإقليمية مع هذه المعايير. كما يناقش الكتاب تحديات الرقمنة في القطاع المصرفي، وأهمية الأمن السيبراني، وضرورة تأهيل المصارف لتلبية تطلعات جيل جديد من العملاء في عصر التكنولوجيا المالية (FinTech).

خلاصات واستنتاجات واقعية

الكتاب لا يقدّم حلولاً جاهزة، لكنه يطرح توصيات بناءة تهدف إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي عبر إصلاحات قانونية وإدارية جذرية، تشمل:

• إصدار قانون عادل للضوابط على رأس المال.

• تعزيز استقلالية القضاء المالي.

• إعادة النظر في السياسات النقدية والمصرفية.

• إشراك المجتمع المدني في صياغة السياسات الاقتصادية.