JUSTICIA Foundation

سيناريوات ما بعد سلامة في مصرف لبنان تتعدد وتتصارع: بين الحارس القضائي والاستقالة الجماعية البلاد تتحضر للمجهول (2023/07/13)

سلوى بعلبكي
المشهد: بلد برمّته يتحضر للمجهول النقدي والمالي. السيناريو: زعيم يريد تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، آخر: “ليتسلم النائب الأول للحاكم صلاحياته”، الثالث: وضع حراسة قضائية على المرفق العام وتعيين حارس قضائي له! فيض من مقترحات، القاسم المشترك بينها أن كلاً من هؤلاء يريد وضع “تابع” له على كرسي الحاكمية… فالموقع دسم، وللمصالح أولويات.

آخر البدع، إفتاء “قانوني” يقضي بأن يقدم هذا الأسبوع حاكم مصرف لبنان ونوابه إستقالة جماعية، فيلجأ وزير المال إلى صلاحياته، ويقوم بتكليفهم جميعا تصريف أعمال البنك المركزي، إلى حين تعيين حاكم ونواب حاكم جدد، وبذلك يمكنهم البقاء إلى ما شاء الله، بسبب سقوط المهل.

ختام المشهد، إبتسامات الفوز تعلو وجوه الجميع. فالتخلص من معضلة بحجم تحمّل مسؤولية إدارة مصرف لبنان، ووظيفته الفائقة الحساسية، في هذه المرحلة الحرجة للجميع، والحارقة لأصابع المتدخلين فيها، مغامرة غير جذابة أو عقلانية لسياسيين ومسؤولين، إمتهنوا الإستفادة من الفرص، وتحويلها الى مكاسب وغنائم مالية وسياسية لهم ولحاشياتهم.

هل يجوز تعيين حارس قضائي؟
اذا كان للسيناريوات الآنفة الذكر أن يتحقق بعضها، فإن الطامة الكبرى هي في اقتراح وضع حراسة قضائية على مصرف لبنان الذي هو مؤسسة عامة مملوكة من الدولة اللبنانية، وتاليا لا يجوز وضع اليد عليه أو ادارته خلافا لقرار المرجعيات الرسمية التي ينيط بها الدستور ادارة الدولة وهي مجلس الوزراء. فماذا تعني الحراسة القضائية؟ وهل تسري على مصرف لبنان؟

يوضح رئيس منظمة “جوستيسيا” الحقوقية الدكتور بول مرقص لـ”النهار” أن “الحراسة القضائية هي إجراء قضائي وتدبير احترازي موقت يتمثل في إيداع ما قد يكون متنازعا عليه من أموال منقولة أو غير منقولة في يد شخص ثالث. وقد تتخذ الحراسة القضائية شكل الإدارة الكلية أو الجزئية على الشيء موضوع الحراسة، وذلك وفقا للمهمة التي تم إيلاؤها إلى الحارس القضائي، كما يتطلب نجاح الحراسة القضائية أن تتم وفقا لعناية إدارية ومالية ومحاسبية أصولية، وذلك صيانة للمال وضمانا لحسن إدارته وحفظه. وسندا للمادة /720/ من قانون الموجبات والعقود، يُعهد في الحراسة الى شخص يتفق جميع ذوي الشأن على تعيينه، كما يمكن أيضا تعيينه من القاضي الذي يمكنه أن يقرر تعيين حارس للشيء الذي يكون موضوع نزاع أو موضوع علاقات قانونية مشكوك فيها الى أن يزول النزاع أو الشك. كما يمكن للقاضي أن يعين حارسا قضائيا للاموال المنقولة وغير المنقولة التي يخشى صاحب الشأن لاسباب مشروعة، ان يختلسها واضع اليد عليها او يتلفها او يعيبها”. ولكن من يحدد حقوق الحارس القضائي؟ يوضح مرقص أن “حقوق الحارس وموجباته تحدد في قرار المحكمة القاضي بتعيينه، وإلا فهي تخضع للقواعد المختصة بالحارس الاتفاقي، وعلى هذا الأساس يمكن تعيين أحد طرفي الخصومة حارسا قضائيا في حال اتفاق الفريقين على ذلك، وفي حال رأى القاضي أن في تعيينه مصلحة أكيدة وظاهرة ولمس عنده الخبرة وحسن الإدارة أو كانت قيمة المال موضوع النزاع لا تحتمل نفقات الحراسة، وإذا عين أحد الفريقين حارسا قضائيا فيمكن أن يضاف إليه شخص آخر أجنبي عنهما، ويلجأ إلى هذا التدبير للمؤسسات والشركات التي تتطلب خبرة خاصة في إدارتها وتسيير أعمالها، وللحارس القضائي مهمة محددة في قرار تعيينه، أي أنه بمثابة مدير إداري موقت، ومن الصعب والمستبعد أن تشمل مهمته رسم السياسة النقدية للبلاد وفق ما تنص عليه المادة 70 من قانون النقد والتسليف، كالمحافظة على سلامة النقد اللبناني، والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي، كما المحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي، وغيرها من المهام التي تتطلب وجود حاكم دائم ذي خبرة وإمكانات. ووفقا لعدد من الاجتهادات الصادرة عن قضاة الأمور المستعجلة، من اجل فرض الحراسة القضائية على مال معين، يجب ان يكون هذا المال قابلا لتقرير الحراسة عليه وتوافر العجلة الماسّة والخطر الداهم الذي يتهدده، وعدم حصول مساس بأصل الحق وان يكون هناك نزاع حول المال المطلوب فرض الحراسة عليه”.

ماذا عن قانونية تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان بدلا من حاكم؟ يؤكد مرقص ان “الأمر يتطلب تعدي السلطة القضائية على سلطة وصلاحية مجلس الوزراء الذي يعود اليه تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، فيجب على قدر المستطاع الاحتفاظ بفصل السلطات في أي نظام ديموقراطي، حيث يكون لكل سلطة دورها واختصاصها الخاص فلا تتعدى أي سلطة على صلاحيات مكرسة ومنصوص عليها في القانون لمصلحة سلطة أخرى، وعملا بمبدأ الفصل بين السلطات الذي نص عليه الدستور اللبناني”.

ويرى مرقص أن “المصلحة العامة والوطنية تتطلب تعيين حاكم جديد يمكنه إدارة المالية العامة للبلاد وإدارة الازمة الاقتصادية لمنع ارتفاع حدتها، وتتطلب وجود استمرارية وثبات في موقع جوهري كمنصب حاكم لمصرف لبنان”.

وفيما يكثر الحديث عن اتجاه نواب الحاكم الى الاستقالة ورفضهم تولي المسؤولية، يستبعد مرقص هذا الامر ويقول: “حتى إذا حصل أن أصرّ نواب الحاكم على عدم تسيير أعمال المصرف، الأمر الذي يرتب عليهم مسؤولية جزائية، أعتقد انهم يدركونها تماما ويدركون مسؤولياتهم، فإنه يمكن للحكومة أو هيئة القضايا أو أي طرف متضرر من الفراغ في مصرف لبنان تقديم طلب الى مجلس شورى الدولة، وهو القضاء الإداري الذي لديه صلاحية التدخل في هذه الحالة وفقًا للمادة 65 من نظام المجلس. وبموجب هذه المادة، ينظر مجلس شورى الدولة في النزاعات المتعلقة بقضايا الموظفين المعينين بموجب مرسوم، وبإمكانه أن يصدر قرارًا يسمح بتعيين مدير أو مسؤول موقت لتسيير أعمال المصرف ومنع حدوث فراغ في منصب الحاكم. هذا رغم أنني أستبعد هذا السيناريو”.

ويرى مرقص أن “الكتاب الذي وقّعه نواب الحاكم هو اجراء استباقي يكسبهم خطوط دفاع استبقائية استدراكا لأي مسؤوليات ستقع عليهم مع الاطالة في فترة الشغور الرئاسي وتصريف الأعمال والاستنكاف عن تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان حسبما تؤشر اليه الامور”، أما عبارة الاجراء المناسب الذي يمكن أن يتخذوه، فهر برأيه “ليس بالضرورة أن يكون حتميا، ولكن يمكن أن يكون على نحو استقالة فردية أو جماعية، لكن ايضا هنا ليس ذلك بالامر السهل بسبب المسؤولية الملقاة على عاتقهم حتى عند تقديم استقالاتهم في هذا الظرف الحرج والحاد والاستثنائي بسبب الظروف النقدية والمصرفية والمالية غير المسبوقة التي تمر بها البلاد، الامر الذي يجعل الاستمرار بالمصرف مكلفا، وكذلك الاستقالة مسؤولية”.

وفي ما يتعلق بمفهوم حكومة تصريف الاعمال وما يمكن أن تقوم به، يشير مرقص الى أنها “يمكن أن تتخذ القرارات الضرورية اللازمة وبالحد الادنى لاستمرار المرافق العامة، وتاليا ثمة فارق بين الاعمال التصرفية التي لا يعود لحكومة تصريف الاعمال القيام بها والاعمال التصرفية المتعلقة بتسيير المرفق العام. وتاليا فإن التعيينات الادارية في المبدأ، لا تقع ضمن صلاحياتها خصوصا متى يتعلق الامر بحاكم مصرف لبنان الذي وإن كان يقترح تعيينه من وزير المال وفقا للمادة 18 من قانون النقد والتسليف، الا ان العرف درج أن يقوم رئيس الجمهورية بتزكية تعيينه في مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي عدد أعضاء المجلس على اعتبار أنه من الفئة الاولى التي تتطلب هذه الاكثرية الموصوفة للتعيين. أما وأن الظروف الاقتصادية والنقدية والمالية في البلاد هي ظروف حادة واستثنائية جدا وتنبىء بانهيار شامل وسريع أكثر مما هو عليه الامر راهنا بسبب الاطالة والتمادي في عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وبالنظر الى قرب انتهاء ولاية الحاكم وتحذير نوابه من عدم انتخاب حاكم جديد بما يهدد بضرر كبير على المرفق العام النقدي والمصرفي، فإنه يمكن الاستناد الى الضرورة الملحّة لتعيين حاكم جديد للمصرف المركزي”. ويستند مرقص الى “تجارب حديثة حصلت مع حكومة سابقة للرئيس نجيب ميقاتي عام 2013 مع تعيين رئيس واعضاء هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية وقبلها اي قبل أن يضيق مفهوم تصريف الاعمال مع حكومة الرئيس سليم الحص. يبقى أنه في حال تعيين حاكم، يمكن تأجيل حلف اليمين الى وقت لاحق اسوة بما حصل مع الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف الدكتور سمير حمود وآخرين”.

ويخشى مرقص تحريك الوضع النقدي في البلاد بسبب التدهور الحاصل أو لأسباب مصطنعة مختلقة، يؤدي الى افتعال مزيد من الانهيارات المصرفية والنقدية التي معها يتعين تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان من حكومة تصريف الاعمال، وذلك على نحو استثنائي وضيق جدا، إذ إن مفهوم تصريف الاعمال، وان كان ضيقا، فإنه يتسع مع الاطالة في فترة الشغور الرئاسي.

المصدر: جريدة النهار

Exit mobile version