News Press

“النهوض في مواجهة الانهيار، تجربتي في المجلس الدستوري”… كتاب الدكتور عصام سليمان: صحوة دستورية وتصويب | 14-2-2023

“النهوض في مواجهة الانهيار، تجربتي في المجلس الدستوري”.

المحامي الدكتور بول مرقص*

يعطي رئيس #المجلس الدستوري سابقاً الدكتور #عصام سليمان لمحة في كتابه الجديد بعنوان “#النهوض في مواجهة الانهيار – تجربتي في المجلس الدستوري” عن نشأة المجلس الدستوري في لبنان، ويعرض سياق تطوّر الأنظمة الدستورية وضبط وانتظام أداء المؤسسات الدستورية. يعرض أيضاً، بجرأة، المشكلة الأساسية الّتي يتعرّض لها النظام الدستوري على نحو عام والمجلس الدستوري على نحو خاص والّتي تتجلّى بخروج الممارسة السياسية عن معظم الضوابط الّتي نصّ عليها الدستور وتقييد عمل المجلس الدستوري عبر الحدّ من صلاحيات هذا المجلس في قانون إنشائه رقم 250/93.

يعرض الكاتب أيضاً حالات عدّة شاذة واجهها المجلس، ناجمة عن سوء ممارسة السلطة وتشويه المفاهيم الدستورية، وهي حالات اقتبسها من حقيقة الواقع المرير الّذي يتعرّض له لبنان، مما يسمح بفهم جذور الإشكالية المطروحة أمامنا.

المجلس الدستوري على طريق الدولة الموعودة
يستهلّ الدكتور سليمان حديثه بنبذة عن مشاركته في الحياة الدستورية قبل تولي رئاسة المجلس الدستوري عام 2009 وقد عرفته مذذاك محاضراً وأستاذاً جامعياً وباحثاً مراقباً فذَّاً للمسار الذي سلكته المؤسسات الدستورية والانحرافات المتتالية التي ولّدت حالة من الشذوذ أخذت بالتجذّر في واقع النظام السياسي الطائفي، كما دأب على مراقبة ما يقوم به المجلس الدستوري في إطار الصلاحيات التي أنيطت به ومدى قدرته على تحقيق الأهداف المرجوة منه على مستوى ضبط التشريع وانتظام العمليات الانتخابية.
رسم المجلس الدستوري في عهد عصام سليمان نهجاً جديداً، حيث أولى اهتماماً خاصاً بالدراسات، ومارس سياسة انفتاح على الوسط الأكاديمي والقانوني والمجتمع المدني والرأي العام وذلك من خلال اتّخاذ قرار بوضع كتاب سنوي يتضمّن قرارات المجلس الدستوري التي صدرت خلال السنة المنصرمة، بالإضافة إلى تأسيس مكتبة المجلس الدستوري، فضلاً عن جمع ونشر قرارات المجلس الدستوري وإنشاء موقع المجلس الدستوري الإلكتروني بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وإيلاء أهميّة خاصة للمؤتمرات وورش العمل، وأخيراً التعاطي مع الإعلام من قبل هيئة دستورية ذات صفة قضائية، وكان لي شخصياً شرف تكليفي مع الأستاذة ميراي نجم شكراللّه تأليف كتاب عن المجلس الدستوري بعنوان “المجلس الدستوري اللبناني في القانون والاجتهاد”.

النهوض بالمجلس الدستوري في نظام دستوري مأزوم
يطلعنا الدكتور عصام أوّلاً على مظاهر تأزّم النظام الدستوري كتعثّر أداء المؤسّسات الدستورية/ الشغور في رئاسة الجمهورية/ تعثّر مجلس النواب، مجلس الوزراء، المجلس الدستوري، القضاء والإدارة.
كذلك يعرض لنا أهمّ أسباب تأزّم النظام الدستوري التي حصرها حسب قوله بتشويه المفاهيم المتعلّقة بمفهوم الميثاق الوطني والعيش المشترك/ المشاركة في السلطة/ تحوّل المشاركة الى محاصصة/ الوفاق الوطني/ وإفراغ الديموقراطية الميثاقية من مضمونها، ما يساعدنا على فهم أبرز المشاكل الّتي عانى منها المجلس الدستوري في علاقته بالنظام والّتي عدّد منها: حصر الصلاحيات في الحدّ الأدنى وتقييدها/ التمديد لمجلس النواب في ظل شغور رئاسة الجمهورية/ إقرار الموازنة العامة بدون قطع الحساب/ إجراء الانتخابات النيابية على أساس قوانين مخالفة للدستور وغيرها من المخالفات الدستورية.

وخلافاً لبقيّة المؤسسات والإدارات العامة وفي زمان الفساد المتفشي في جميع مفاصل الدولة وعروقها، تمكّن المجلس الدستوري في عهد الدكتور سليمان من تحقيق وفر سنوي في موازنة المجلس الدستوري على الرغم من كونها هزيلة نسبياً. كما اتّخذ الأخير نهجاً جديداً في اتّخاذ القرارات عبر التوسّع بالحيثيات لتبرير القرار المتّخذ، بالإضافة إلى دعمه بأكبر قدر من الحجج، توخّي التوسّع في تفسير نصوص الدستور، وعقد ثلاث جلسات لاتّخاذ قرار معيّن. وكي لا ننسى تميّز عهد الدكتور سليمان بمقاومته لأيّة ضغوط خارجيّة من أيّ نوع كانت سواء سياسيّة أو إعلاميّة.

في الختام يتبيّن لنا أنّ الدكتور عصام سليمان، في خلال تولّيه رئاسة المجلس الدستوري، عمل على التمييز بين النظام الدستوري والمنظومة السياسية الحاكمة وحاول التصدّي لتجاوز أحكام الدستور في عملية التشريع ضمن الصلاحيات المعطاة للمجلس الدستوري دون أن يخضع للتأثير بالأجواء السياسية في خلال اتّخاذه للقرارات.

فضلاً عن ذلك، عمل هذا الأخير على تفعيل دور المجلس الدستوري في النظام الدستوري اللبناني وتعزيز استقلاليته بالأمور التالية:

1- الاجتهادات المبتكرة في قرارات اتّخذها المجلس الدستوري.

2- التوسّع في تفسير الدستور وتحديداً النصوص الدستورية التي لها علاقة بالقانون المطعون في دستوريّته.

3- إغناء الكتلة الدستورية باستنباط مبادئ لها قيمة دستورية. نذكر منها: صحة الانتخابات ونزاهتها وصدقيّتها/ حرية التنافس في الانتخابات في إطار تكافؤ الفرص بين المرشحين/ دورية الانتخابات/ انتظام المالية العامة/ منع الفراغ في المؤسسات الدستورية/ حرية التعاقد/ الحق بالسكن.

4- تسليط الضوء على ما هو انتهاك للدستور والتصدّي له دستورياً وتحديداً ما يلي:

تعطيل المؤسسات الدستورية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية/ عدم إقرار موازنة عامة سنوية/ عدم إقرار قطع حساب سنوي/ إنشاء هيئات ومنحها صفة قضائية بدون أن تتوافر فيها الشروط اللازمة لمنحها هذه الصفة.

وأخيراً أسهم انفتاح المجلس الدستوري في عهد الرئيس سليمان على الوسط الجامعي ومراكز البحوث والإعلام والمجتمع المدني، في نشر ثقافة العدالة الدستورية بين شرائح المجتمع اللبنانيّ كافة.

ولكن، على الرّغم من الايجابيّات العديدة الّتي سبق أن سردناها، لا بدَّ من ذكر بعض الملاحظات حول أداء وآليّة عمل المجلس الدستوري غير المرتبطة بشخص الدكتور عصام سليمان في أثناء تولّيه مهام رئاسة المجلس الدستوري، وأهمّها:

– أوّلاً: ما المعيار العلمي لتعيين أعضاء المجلس الدستوري؟ فالمعلوم أنّه يطغى على هذا التعيين الطابع السياسي، لذلك لا بدّ من تأثّر المجلس الدستوري بالجوّ السياسي.

– ثانياً: هل للمجلس الدستوري دور في تأزّم النظام الدستوري، كالشغور في رئاسة الجمهورية وفي رئاسة مجلس الوزراء، وفي تجديد ولاية المجلس النيابي؟

– ثالثاً: في حال وجود خلل دستوري متمثّل بعدم صدور الموازنة العامة أو صدورها بدون قطع حساب، فهل يكون للمجلس الدستوري موقف حاسم من ذلك؟

– رابعاً: لماذا لا تُجمع جميع الاجتهادات الصادرة عن المجلس الدستوري تحت مرجع واحد للقيام بالدور العلمي وخدمة الفكر القانوني والاجتهاد القضائي من جهة ولتمكين جميع شرائح المجتمع من الاطّلاع عليه عند الضرورة من جهة أخرى؟

في اختصار، هذا الكتاب يعرض لنا المهمّة الأسمى للمجلس الدستوري ألا وهي بناء الدولة الرّاعية للحقوق والحرّيات، وتكريس شرعيّة السلطات الّتي تتولّى شؤونها. وعلى أمل أن يتمّ التصميم والعزم على البدء ببناء دولة القانون والحفاظ على حقوق الإنسان وحريّته وكرامته وسعادته ليعود لبنان كما كان دولة العلم وتستعيد بيروت أمّ الشرائع تألّقها ودورها العلمي.

*رئيس مؤسّسة JUSTICIA الحقوقيّة

Show More

Related Articles

Back to top button
Close