News Press

الإمام المغيّب : فحوص DNA وروايات متناقضة… ما علاقة إيران؟| 1/9/2022

الكاتب: نهلا ناصر الدين | المصدر: اساس ميديا
1 أيلول 2022

منذ أربعةٍ وأربعين عاماً وقضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في ليبيا تنبعث موسمياً في الحادي والثلاثين من آب. القضيّة على معناها الوطني والأخلاقي راحت تتنقّل بين “الاستعمالات السياسية” على امتداد العقود الأربعة. كان المانع سابقاً دون وصولها إلى الوضوح يكمن في سببين: الأوّل قصور رسمي لبناني عن المتابعة جرّاء الحرب. أمّا الآخر فكان في الستار الحديدي الذي صدّ به الزعيم الليبي معمّر القذافي كلّ محاولة لكشف الحقيقة، مُكتفياً برواية عن مغادرة الثلاثة إلى روما التي أكّدت ذلك ثمّ نفته تبعاً لعلاقتها مع طرابلس الغرب.

بقيت رواية القذافي “هشّة” لا يسندها أيّ شيء من الوقائع الحقيقية، وازدادت الهشاشة مع سقوطه إثر “الربيع العربي”، وتكشف روايات مُستجدّة قيل إنّ بعضها قام على وقائع قضائية تحقيقية صلبة، فيما تصدّرت روايات أخرى وعلى مضمون معاكس ذهبت إلى الحديث عن “قتل فوريّ” للإمام ورفيقيه من قبل النظام الليبي عام 1978. لا تتوافق الرواية الأخيرة مع ما يقوله القاضي اللبناني حسن الشامي، الذي يرأس لجنة لمتابعة القضية، إذ يؤكّد أنّه بحسب المقابلات التي أجراها في ليبيا وصل إلى شبه يقين أنّ الصدر مرّ في ثلاثة سجون في ليبيا حتى أواخر التسعينيّات.

زاد سيل الروايات المتضاربة القضيّةَ غموضاً. وما زاد من الالتباسات وشدّ من أزر تعقيداتها استدراج هنيبعل القذافي من سوريا إلى البقاع واختطافه وانتزاع ما سُمّي اعترافات قال عنها هو لاحقاً إنّها تمّت “تحت التعذيب” وانتشرت عنها شرائط مُصوّرة بُثّت تلفزيونياً وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

 

هنيبعل القذافي النجل الرابع للزعيم الليبي، والذي كان له من العمر سنتان يوم تغييب الإمام الصدر ورفيقيه، موقوفٌ عند الأجهزة الأمنيّة منذ العام 2015 ولا يُعرف له سجن، ولم يخضع لأيّة محاكمة. هذان التوقيف وقبله الغموض أعادا تزخيم قضية الإمام ورفيقيه، لكن ضمن روايات وروايات معاكسة. هكذا تمرّ الذكرى الـ 44 لتغييب الإمام الصدر ورفيقيه وقضيّتهم في متن بازار سياسي وإعلامي لم ينتهِ إلى شيء ملموس بعد. فالقضية ما تزال في حقل الروايات المتعارضة، والرسائل المسرّبة من هنا وهناك، ما أصلى الحقيقة ضربات سياسية وقضائية وقانونية حتى صارت الإشكالية على الشكل التالي: إمّا أنّه لا يُراد لهذه القضية أن تُكشف، أو أنّه تمّ الوصول إلى حقيقةٍ يُراد لها البقاء قيد الكتمان.

لقد أعادت الرسالة المسرّبة من هنيبعل القذافي في سجنه المجهول وبُثّت عبر قناة “الحدث” قبل نحو أسبوع، قضية اختفاء الصدر ورفيقَيه إلى الواجهة من جديد، وأثارت الجدل حول مضمونها وحيثيّاتها، وأكّد فيها عدم وجود ما يؤكّد اختفاء الصدر في ليبيا، وأنّه اختفى في العاصمة الإيطالية روما، وأنّ من استقبله في ليبيا هو عبدالسلام جلود الذي كان مسؤولاً عن ملفّ لبنان آنذاك، بينما معمّر القذافي لم يلتقِ به، مشدّداً على أنّه لا يملك أيّ معلومة لتقديمها في هذا الإطار، واصفاً احتجازه بالقرار المسيّس، معتبراً أنّه رهينة اعتقال سياسي وابتزاز، حتى إنّه لم يحظَ بأيّ محاكمة.

نجل الشيخ محمد يعقوب المختفي مع الصدر والنائب السابق حسن يعقوب الذي استدرج هنيبعل القذافي واختطفه قبل أن تتسلّمه السلطات اللبنانية، يستغرب “تسريب تصريح إعلامي لموقوف”، ويسأل في حديثه لـ”أساس”: “كيف لشخص موقوف وفق القانون اللبناني أن تصدر عنه تصاريح، وهذا حصل أكثر من مرّة”، ويضع السؤال برسم وزارة العدل ومدّعي عامّ التمييز غسان عويدات، مضيفاً: “كيف سمحت شعبة المعلومات لموقوف أن يصرّح بهذه الطريقة، أين إذن التصريح؟”.

وكانت “شعبة المعلومات” التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والتي يسألها يعقوب، قد سبق لها أن أوقفته وأخضعته للتحقيق قبل أن تقدّمه للمحكمة بـ”تهمة الخطف”، حيث أوقفته المحكمة التمييزية لسبعة أشهر قبل تخلية سبيله بكفالة ماليّة.

وإذ يُسائل يعقوب القضاء عن سبب “عدم التحقيق مع هنيبعل القذافي حتى الساعة”، فإنّه يطالب مقاربة “المعلومات التي لديه والتي أدلى بها بدايةً في التحقيق ووقّع عليها وتتناقض مع ما يقوله في رسالته الأخيرة”، ويضيف: “لماذا لا يقوم المحقّق العدلي بعمله في هذا الإطار؟ هناك شيء غريب جدّاً، فهل يا ترى المعلومات التي ستصدر عنه تضرّ بمصالح أحد؟ لماذا عدم التحقيق معه؟ أفلا تناسب المعلومات جهة معيّنة؟ قيل في البداية إنّه كنز معلومات لحظة توقيفه. أما آن لهذا الكنز أن يُفتح؟!”.

ويردّ أمين سر اللجنة الوطنية لمتابعة قضية الإمام السيد موسى الصدر، القاضي حسن الشامي، على رسالة هنيبعل القذافي ويؤكّد لـ”أساس” أنّه اجتمع مع هنيبعل بتاريخ 16-1-2016 بإذن رسمي من النيابة العامة التمييزية، وبحضور رئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود، في لقاء استغرق 5 ساعات وسُجّل لدى فرع المعلومات خطّيّاً. وأظهر التحقيق يومئذٍ، بحسب الشامي، كمّ المعلومات المرتبطة بالقضية التي يملكها هنيبعل، “وقال لي يومها بصريح العبارة إنّه مستعدّ لمنحنا باقي التفاصيل والأسماء المتورّطة عندما يصبح في الطائرة، أي خارج لبنان، وهو الكلام نفسه الذي قاله في 14/12/2015 للمحقّق العدلي زاهر حمادة وأصرّ عليه، والذي بسببه تمّ الادّعاء عليه من قبل القاضي حمادة بتهمة إخفاء معلومات في القضية، وذلك حصل بعد استطلاع رأي النيابة العامّة التمييزية. وقد تمّ الاستماع إليه في البداية كشاهد في القضية بناء على طلب اللجنة في 12/12/2015، لكنّ أقواله هي التي ورّطته”. ويشير الشامي إلى أنّ توقيف القذافي لم يكن بسبب قضية اختفاء موسى الصدر بل بموجب نشرة حمراء من الإنتربول الدولي تفيد بأنّه متّهم في بلاده بإبادة جماعية وتبييض أموال وجرائم عديدة.

في المقابل يشدّد ياسر حسن، وهو محامٍ دوليّ لحقوق الإنسان ومحامي هنيبعل القذافي، في حديث تلفزيوني لـ”الحدث”، على أنّ هنيبعل كان لديه عامان من العمر آنذاك، وأنّه لم يكن جزءاً من النظام لا في عهد والده ولا بعده، بل كان ضابطاً بحريّاً مدنيّاً يعمل في البحرية التجارية وليس في البحرية العسكرية، ولم يقُل أيّ معلومة عن الاختفاء من قبل، بل استُوقع (تمّ أخذ توقيعه) على مجموعة من الأوراق لم يقرأها، وقيل له “إن لم توقّع عليها فسيتمّ ترحيلك إلى ليبيا وإعدامك كما تمّ إعدام شقيقك خميس القذافي”.

من جهته، يؤكّد الشامي أنّ هنيبعل كان مسؤول المخابرات البحرية في نظام والده، “ويرفق لنا صورة له بلباس عسكري”. ويرى في “إعادة اجترار” رواية اختفاء الإمام الصدر في روما “محاولةً واضحةً للاستخفاف بعقول الناس والتضليل، لأنّ أحكاماً قضائية أصدرتها روما في هذا المجال قبل سنوات، أثبتت أنّ الإمام الصدر ورفيقيه لم يصعدوا إلى الطائرة التي توجّهت إلى روما، بل هناك 3 عناصر من المخابرات الليبية (إِمْحمّحد علي الرحيبي، عيسى المنصوري ومصطفى صهبون) هم من لبسوا ثياب الإمام ورفيقيه وصعدوا الطائرة”.

أمّا التحقيقات مع معظم القيادات الأمنيّة لنظام القذافي الذين استطاع الشامي مقابلتهم باستثناء عبد السلام جلود، على حدّ قوله، فتؤكّد احتجاز الإمام الصدر ورفيقيه في جنزور في ضواحي طرابلس منذ العام 1978 حتى العام 1982، ومن العام 1982 حتى العام 1987 في القاعدة الجوّية العسكرية في سجن سرّي في سبها، ثمّ نُقل إلى مكتب النصر إلى سجن سرّي سياسي آخر في طرابلس، “وكان لدينا دلائل على وجود الإمام في عدّة سجون حتى العام 1999 على الأقلّ”.

تجدر الإشارة إلى أنّ هنيبعل القذافي موقوف لدى فرع المعلومات منذ 7 سنوات بجرم كتم معلومات في قضية الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين الذين اختفوا في ليبيا عام 1978، بعدما تمّ توقيفه في كانون الأوّل 2015، وكان حينذاك بمنزلة لاجئ سياسي في سوريا مع عائلته وزوجته اللبنانية، قبل أن يُخطف من هناك ويتمّ تسليمه للأجهزة اللبنانية. وطوال السبع سنوات لم يُحدّد القضاء اللبناني جلسة لمحاكمة القذافي، ولم يُصدر المحقّق العدلي قراره الظنّي بعد.

وكان رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح طالب الحكومة اللبنانية بضرورة الإفراج عن هنيبعل القذافي لاستحالة إدانته في قضية الإمام موسى الصدر، وراسل السلطات اللبنانية في تموز 2019 عبر كتاب رسمي مؤكّداً أنّ هنيبعل لم يتبوّأ أيّ مركز أمنيّ أو سياسي في ليبيا.

أمّا الخبير الدستوري ورئيس مؤسّسة “جوستيسيا” الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص فيؤكّد لـ”أساس” أنّ الرواية الرسمية الليبية بأنّ الإمام موسى الصدر غادر إلى روما لم نصل إلى تبنّيها في لبنان، وأنّ “المسؤولية حتماً هنا تقع على النظام آنذاك الذي وجّه للصدر دعوة رسمية لزيارة ليبيا”.

ويلفت مرقص إلى أنّه “من المؤكّد أنّ هذه الواقعة ليست مجرّدة عن الشأن السياسي لأنّنا نتحدّث عن شخصية ذات بعد وطني وروحي وسياسي في لبنان، وبغضّ النظر عمّن يحمل هذه القضية عن نيّة صادقة أو حتى من يدّعي حملها لأجل الدعاية السياسية، فإنّ الرواية التي تقدّم بها هنيبعل في رسالته الأخيرة ملتبسة وتحمل تناقضات، فالطفل الذي لم يبلغ السنتين في فترة اختطاف الإمام موسى الصدر، ويقول إنّه ليست لديه أيّة معلومات عن القضية، يتقدّم في رسالته نفسها بمعلومات تفيد بأنّ والده لم يلتقِ الإمام وكان في منطقة أخرى، وبالتالي يلامس بعض الوقائع في القضية”.

يشير مرقص إلى أنّ هنيبعل القذافي اليوم موقوف، ومثله مئات العرب والأجانب الموقوفين في السجون اللبنانية من دون محاكمة، حيث 79% من السجناء في لبنان لم تتمّ محاكمتهم، و43% من المسجونين هم من العرب والأجانب، “ويجب محاكمة هؤلاء جميعاً بصرف النظر عن تهمة كلّ منهم، ويجب العودة إلى المبادئ القانونية والحقوقية التي تغيّبها السلطة الحالية في البلاد، وهو ما يجعل لبنان يرتكب مخالفة الاحتجاز من دون محاكمة خلافاً للمعايير الدولية العائدة للمحاكمة العادلة”.

ما يزيد الشكوك في التعامل المريب مع قضية إخفاء الإمام موسى الصدر بعدد أربعةٍ وأربعين عاماً، هو الغموض الذي يتراكم. مصدر الإلتباسات الكثيرة لا يقتصر على مابداه نظام معمر القذافي، بل يشمل سوريا وإيران، ذلك أن النظامين في كل من البلدين كان على علاقة تحالف مع النظام الليبي.

النظامان الإيراني والسوري زعما على الدوام التمسك بكشف مصير الإمام ورفقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. إلا أنهما لم يقدما جديداً على إمتداد العقود السابقة. ولم يطرأ جديد غير روايات متناسلة من بعضها أو على النقيض تماماً. ولا جديد غير اعتقال هنيبعل القذافي منذ العام 2015 من دون تقديمه إلى المحاكمة، واعتباره “مصدراً للمعلومات”، علماً أن الأخير وحين تغييب الإمام الصدر كان له من العمر سنتان.

على الضفة اللبنانية جرت أحداث كثيرة مع ليبيا بعد مقتل القذافي وجميعها كان يتسم بكثرة الوعود من دون أن يتحقق شيء عملياً. وبقي إحياء الذكرى ينتقل من عام إلى آخر كل 31 آب. ومع السؤال الذي ما يزال يتكرر بغزارة سياسية وعاطفية عن مصير الإمام ورفيقيه، يحضر في الأذهان تصريح رجل الدين الشهير جلال الدين فارسي، مستشار المرشد الإيراني السابق الإمام الخميني في شباط 2018 خلال مقابلة مع وكالة أنباء “فارس” قال خلاله إنّ الإمام موسى الصدر كان “يجب أن يُقتل” بسبب تصريحات له حول توحّد الأديان والمذاهب، وأوضح أنّه كانت للصدر روابط قويّة بشاه إيران، وهي العلاقة نفسها التي يتحدّث عنها كتاب “سقوط السماء.. البهلويّون والأيّام الأخيرة للإمبراطورية” للكاتب أندرو سكوت كوبر، أحد الخبراء المتخصّصين في شؤون الشرق الأوسط.

 

التعاون الليبي المُعلق على الوعود

يبرّر أمين سرّ اللجنة الوطنية لمتابعة قضية الإمام الصدر، القاضي حسن الشامي، المماطلة الحاصلة في التحقيق مع هنيبعل القذافي بالروايات المتناقضة التي يقدّمها الطرف الليبي، والتي لم تسمح بالوصول إلى نتيجة، “فمنذ العام 2011 ومع بدء زياراتنا كلجنة رسمية إلى ليبيا، كنا نتلقى الوعود من المسؤولين بعد الثورة بدءاً بالرئيس مصطفى عبدالجليل وجميع الحكومات المتعاقبة، وللأسف لم ينفّذوا منها إلا القليل، وفي العام 2013 عقدنا مذكّرة تفاهم معهم تتعلّق فقط بقضية الإمام ولم ينفّذوا منها شيئاً، وآخر زيارة لنا إلى ليبيا كانت في العام 2016، وأيضاً كان هناك وعداً بمزيد من التعاون، ودائماً كنّا نعاني من الوعود وعدم التنفيذ”.

ويشير القاضي الشامي إلى أنّ المحقّق العدلي أدعى على 13 شخصاً في قضية الإمام الصدر، بينهم 12 غيابياً وهنيبعل حضورياً. ويعزو التأخر إلى الإجراءات التبليغ “ولا سيّما أنّها خارج لبنان، فالخطأ ليس من المحقّق العدلي، وليس هناك مماطلة في التحقيق، بل كلّ القصة أنّ هناك إجراءات لا بدّ منها حتى يستطيع أن يختم التحقيق ويُصدر قراره الظنّي”.

رواية تحليل الحمض النووي (دي أن آي)

في إطار الإجابة عن سؤال يتصدّر المشهد مع اقتراب الذكرى في كلّ سنة: “هل تمّ التوصّل إلى حقيقة لا تريد حركة أمل الإعلان عنها؟”، يكشف الشامي لـ”أساس” رواية متعلّقة بفحوص الحمض النووي تُنشر للمرّة الأولى، ويؤكّد أنّ اللجنة لم تتردّد للحظة في ملاحقة أيّ دليل، “بل قمنا بإجراء فحوص الـ DNA في عدّة دول ولعدّة جثامين تبيّن أنّها غير مطابقة، لا بل تعود لشخصيات ليبية أخرى كانت في السجون السرّية”.

ومن بين هذه التجارب ما جرى خلال مشاركة وزير الخارجية اللبناني حينذاك عدنان منصور في لقاء القمّة العربية في بغداد في 1 و2 نيسان 2012، حيث سلّمه وزير الخارجية الليبي عاشور بن خيال رسالة للرئيس نبيه برّي من الرئيس الليبي مصطفى عبدالجليل ورئيس مجلس النواب الليبي، وتتضمن الآتي: “عثرنا على جثّة موسى الصدر، وحرّاس السجن أكّدوا أنّها كانت في برّاد خاص قبل دفنها، ومطلوب من الجانب اللبناني أن يحضر إجراءات النبش والفحوص اللازمة”على ما يقول الشامي.

في 4 نيسان ذهب القاضي الشامي إلى ليبيا مع وفد كبير كان من بين أعضائه رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب خبير الـDNA  العالمي، لافتاً إلى أنه كان “معنا بروفايل عائلة الإمام للمطابقة. حضرنا النبش في موقع كان بمنزلة قبر جماعي، وكانت جثّة في كيس لونه برتقالي مغاير لباقي أكياس الجثث. قالوا لنا هذه هي جثّة الإمام. أخذنا الجثّة إلى المشرحة، ومن أمام مستشفى الزاوية في ليبيا سألنا الطرف الليبي عن المكان الذي يفضّل أن ننفّذ فيه الفحص، فاختار سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، وواجهتنا مشكلة الحصول على فيزا بادئ الأمر، لعدم وجود سفارة للبنان هناك، وعاد الطرف الليبي إلى المماطلة حتى 12 تموز 2012 حين أرسل الرئيس برّي رسالة خطيّة لمصطفى عبد الجليل أوصلها إليه القائم بأعمال سفارة لبنان في ليبيا آنذاك السفير حسن صالح سفيرنا الحالي في السويد، وقال الرئيس برّي في الرسالة التي كانت مؤلّفة من صفحتين: تفضّل بإرسال الوفد الليبي ليلاقي وفدنا في سراييفو لإنهاء هذا الموضوع”.

 

أجهزة استخبارات تعاونت في قضية الصدر

في 16 تموز من العام نفسه ذهب الشامي برفقة أيوب والوفد الليبي إلى مركز عالمي متخصّص بفحوص الحمض النووي في سراييفو، تابع للأمم المتحدة، ويسمّى ICMP،  (International centre for missing people)، وكانت نتيجة الفحوصات غير مطابقة، بل جاءت مطابقة لحمض منصور الكيخيا وزير خارجية سابق معارض لمعمّر القذافي. ويضيف الشامي “هناك أجهزة مخابرات عربية تابعة لعدّة دول كانوا وسطاء في القضية وواجهونا بجثث وثياب وأغراض قالوا إنّها تعود للإمام، وأجرينا عليها الفحوص اللازمة، وجميعها كانت غير مطابقة. نحن لا نتخفّى خلف إصبعنا، بل نحن وصلنا إلى مرحلة نطلب فيها رواية متكاملة فقط من الجانب الليبي”.

ويستذكر الشامي رواية أحمد رمضان الأصبيعي أمين سرّ معمر القذافي الذي اعتُقل بسجن التِكِت في مصراتة خلال الثورة “والذي قال ثلاث روايات متناقضة” واعترف لاحقاً أنّه تقصّد ذلك من أجل الضغط وكشف مصير عديله الذي كان طيّاراً من آل اليازجي. وتعتقد العائلة أنّ القذافي لغّم طائرته، ويتساءل الشامي “مع حجم هذه الأكاذيب والروايات المتناقضة.. كيف نصل إلى نتيجة؟!”.

في هذا السياق، يرى الصحافي والمحلّل السياسي علي الأمين في حديثه لـ”أساس” أنّ التعامل مع هذه القضية خضع بوضوح لحسابات سياسية واعتبارات داخلية لبنانية أكثر ممّا كان الهدف منه الكشف عن الحقيقة، “فكلّ عاقل اليوم يتساءل لماذا لم نصل إلى نتيجة حتى اليوم، بعد 44 سنة، فكلّ المؤشّرات تقول إنّ الإمام الصدر فُقِد في ليبيا، ونحن نتحدّث عن قضية تخصّ الشيعة عمومأً وتخص حركة أمل وحزب الله والمجلس الشيعي خصوصاً، وعندما نأتي على ذكر هذا المثلّث فهذا يعني أنّنا نتحدّث عن إيران وسوريا، وهما دولتان كانتا قادرتين على كشف هذا الموضوع وإنهائه، سواء من خلال دورهما كدول مؤثّرة أو عبر علاقتهما التحالفيّة مع هذا المثلّث. وبتقديري كمراقب، لو كان هناك عمل جدّي ونيّة صادقة للوصول إلى نتيجة ، لكنّا وصلنا إلى نتيجة”.

 

الشكوك حول دوري إيران وسوريا

ويرى الأمين أنّ “ما يزيد الشكوك في التعامل المريب مع القضية من قبل هذه الدول والقوى اللبنانية، أنّه حتى بعد موت القذافي بقينا مكاننا وكأنّ المقصود أن تبقى هذه القضية غامضة وعرضة للاستثمار السياسي والحزبي، أو كأنّ هناك رغبة في إبقاء فكرة الإمام الغائب، التي تحاكي فكرة الإمام المهدي الغائب، وقد شُغل عليها ليس بشكل عفوي بل بشكل مدروس”.

وما يحمّل المسؤولية بشكل أكبر لهذه الدول هي العلاقة الجيّدة التي كانت تجمعها بنظام القذافي، “فالقذافي أعلن دعمه للثورة الإيرانية، وعلاقتهما الجيّدة لم تكن سرّاً بل كانت معلنة، ولذلك كان يجب أن تلعب هذه الدول دوراً محورياً وأساسياً في كشف هذه القضية التي تهمّ الشيعة كلّ الشيعة في لبنان”. ويسأل الأمين: “هل بذلت إيران الجهد المطلوب منها؟ هل عرفت الحقيقة وسكتت عنها أم عرفت الحقيقة وأخبرت بها الجانب اللبناني والأخير تكتّم عنها؟ كلّها أسئلة مشروعة”.

عليه، وبعد 44 سنة، يبدو أنّ الحقيقة ستبقى مغيّبة، تماماً كإمامها، لكن يبقى الثابت الوحيد أنّ إزاحة الشخصيات المعتدلة كانت ضرورة للأنظمة القمعية القديمة أو المستحدثة، وكان من بين هذه الشخصيات موسى الصدر، بالإضافة إلى كمال جنبلاط، وحسن خالد، الذين لو كانوا معنا لربّما غيّروا مسار التاريخ. يوافق الأمين هذا الرأي ويقول إنّه “غالباً ما يحاول أيّ مشروع التخلّص من شخصيّات كهؤلاء لأنّ لهم جذورهم الممتدّة في التاريخ ويشكّلون عائقاً أمام أيّ مشروع إلغائي أيديولوجي”، ولا يمكن أن نقول إنّ إزاحتهم تباعاً كانت بالصدفة، بل حقيقة مرّة أرادوا تغييبها.

Show More

Related Articles

Back to top button
Close