الأخبار و الصحفالأخبار و الصحف

مساع لعرقلة محاسبة المسؤولين عن انفجار بيروت

مساع لعرقلة محاسبة المسؤولين عن انفجار بيروت

لبنان يسعى لتعيين قاض ثان بدل طارق البيطار لاستئناف التحقيقات.
الخميس 2022/09/08
أهالي الضحايا متمسكون بالمحاسبة

عادت قضية انفجار مرفأ بيروت إلى الواجهة مجددا مع مساع لتعيين قاض ثان لمباشرة التحقيقات في وقت يتعرض فيه المحقق العدلي طارق البيطار إلى تجميد نشاطه بسبب حزمة من الشكايات التي تقودها أطراف سياسية تعمل على إفلات المسؤولين عن الانفجار من العقاب.

بيروت – قالت مصادر سياسية إن القضاء اللبناني يرغب في تعيين قاض ثان لمباشرة التحقيق المتعثر في انفجار مرفأ بيروت، مما يسلط الضوء على الانقسامات العميقة بشأن الجهود المبذولة لمحاسبة المسؤولين على مأساة أودت بحياة أكثر من 220 شخصا.

وتحقيق القاضي البيطار في انفجار عام 2020، الذي سوّى أجزاء من المدينة بالأرض عندما انفجرت مئات الأطنان من نترات الأمونيوم المخزنة في المرفأ، لا يزال عالقا منذ أواخر عام 2021 بسبب دعاوى رفعها سياسيون كبار سعى لاستجوابهم.

وأدى ذلك إلى عدم قدرته على استدعاء المشتبه بهم أو توجيه اتهامات إليهم، كما أن الأفراد الذين احتُجزوا بعد الانفجار ثم برئت ساحتهم مازالوا قيد الاحتجاز.

بول مرقص: القضاء ينوء تحت الضغوط ويعاني من التدخلات السياسية

وطلب وزير العدل هنري خوري من مجلس القضاء الأعلى في البلاد مناقشة تكليف محقق قضائي “لمباشرة الأمور العاجلة والضرورية في قضية انفجار مرفأ بيروت”.

وبحسب خوري سيبقى القاضي الثانوي في منصبه “طالما أن المحقق الأصلي لا يمكنه تنفيذ مهامه – بما في ذلك طلبات الإفراج”، مشيرا إلى تدهور صحة بعض المحتجزين باعتباره الدافع وراء تقديم الطلب.

وقال مصدر قضائي رفيع إن مجلس القضاء وافق وإن خوري سيقترح الآن مرشحا واحدا أو أكثر، مضيفا أن القاضي الجديد لن يكون مفوضا بتوجيه اتهامات.

وقال مصدر قضائي ثان إن البيطار فوجئ بالخطوة التي اعتبرها “غير قانونية” وإنه لن يتنحى عن دوره ويحرص على العودة للتحقيق بشكل كامل.

وغالبا ما يخضع القضاة لتأثير النخبة الحاكمة في لبنان حيث أدى تقسيم السلطة على أسس طائفية إلى إغراق البلاد في أسوأ أزمة سياسية واقتصادية منذ عقود.

واحتج البعض من أقارب ضحايا الانفجار على الخطة أمام وزارة العدل الأربعاء واتهموا السياسيين بالتلاعب بالتحقيق عبر إبقائه معلقا وإطلاق سراح بعض المحتجزين.

وقالت ميراي خوري التي قُتل ابنها إلياس في الانفجار “يا عيب الشوم على كل حدا بموقع مسؤولية… على كل مسؤول كل قاضي بيجرب يلعب هيدي اللعبة”.

وأضافت “نحن موقوفين ومسجونين للأبد… أنا حبسي كثير أكبر من الموقوفين.. الموقوفين راح يضهروا يشوفوا أولادهم…أنا شو؟ أنا حبسي، حزني. أنا محبوسة للأبد بهذه الحياة لأن ما عندي الخيار، أنا ميتة عايشة”.

وشجبت مجموعة من المشرعين المستقلين الخطوة مشيرة إلى “انتهاكات جسيمة” للعملية القضائية وقالت إن الهدف منها توجيه “ضربة قاضية” لدور البيطار.

ودعا الثلاثاء نائبان في البرلمان من التيار الوطني الحر، وهو حزب مسيحي بارز أسسه الرئيس ميشال عون، علانية إلى الإفراج عن المعتقلين الذين لم يعودوا يعتبرون أطرافا في الانفجار.

ويواجه التحقيق عقبات منذ أن سعى المحقق العدلي البيطار لاستجواب بعض أقوى الشخصيات السياسية في لبنان للاشتباه بأنها كانت على علم بوجود المواد الكيميائية ولكنها لم تفعل شيئا لتجنب الكارثة.

ويتعرض البيطار لضغوط هائلة من جماعات تتهم التحقيق الذي يقوده بالتحيز السياسي وتشن حملة للتشهير به. وأعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أنه يريد استبعاد البيطار من القضية.

 

انفجار مليء بالأسرار
انفجار مليء بالأسرار

 

وفي إطار التحقيق رفض كبار المسؤولين السياسيين تلبية دعوات البيطار لاستجوابهم، قائلين إنه ليس المرجع المختص الذي ينبغي أن يمثلوا أمامه وإن استجوابهم ينبغي أن يتم لدى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ولم تُنفذ مذكرات التوقيف في حق أي من المسؤولين.

وأدى انفجار الرابع من أغسطس 2020، الذي كان أحد أكبر التفجيرات غير النووية في التاريخ، إلى مقتل أكثر من 200 شخص وتدمير مساحات شاسعة من العاصمة بيروت.

وتم تعليق التحقيق في أواخر سبتمبر بعد شكوى تشكك في حياد البيطار. ورفضت المحكمة الشكوى لأسباب إجرائية مما سمح للبيطار بالاستمرار في عمله. ويقود البيطار التحقيق منذ تنحية القاضي فادي صوان عن القضية في فبراير الماضي عقب شكوى مماثلة قدمها سياسيون يطعنون الآن في حياد البيطار.

وقال المحامي بول مرقص أستاذ القانون الدولي “للمرة الأولى يثبت القضاء أنه هو يريد أن يعمل ولكنه ينوء تحت الضغوط السياسية ويعاني من التدخلات السياسية”.

وقبل قليل من إبلاغه بالشكوى الأخيرة، أصدر البيطار مذكرة توقيف بحق أحد السياسييْن اللذين قدما الشكوى وهما وزير المالية السابق علي حسن خليل وهو سياسي بارز مقرب من حزب الله. والسياسي الثاني هو وزير الأشغال العامة السابق غازي زعيتر، وهو أيضا حليف لحزب الله.

ووجّه نصرالله أعنف انتقاداته للبيطار عندما دعا إلى تغييره في خطاب عبر التلفزيون، قائلا إنه “منحاز ومُسيّس”. وجاءت هذه التصريحات بعد أسابيع من قول صحافي ومصدر قضائي إن وفيق صفا، وهو مسؤول بارز في حزب الله، هدّد البيطار بأن الجماعة ستزيحه عن التحقيق.

تحقيق القاضي البيطار في انفجار عام 2020 لا يزال عالقا منذ أواخر عام 2021 بسبب دعاوى رفعها سياسيون كبار سعى لاستجوابهم

ومذكرة توقيف خليل هي ثاني مذكرة تصدر بحق وزير سابق ضمن التحقيق. وصدرت المذكرة الأولى في سبتمبر بحق وزير الأشغال العامة السابق يوسف فينيانوس، وهو أيضا حليف لحزب الله، بعدما امتنع مرارا عن المثول للاستجواب.

وكان البيطار قد أصدر عدة طلبات في يوليو لاستجواب عدد من كبار المسؤولين بينهم رئيس الوزراء السابق حسان دياب وعدة وزراء سابقين وأكبر مسؤول أمني في البلاد في ما يتعلق بالتقصير والإهمال. ونفى الجميع ارتكاب أي مخالفات، لكن طلبات القوبلت بالرفض وشكاوى قانونية تشكك في حياده.

وبينما سعى البيطار لاستجواب عدة سياسيين متحالفين مع حزب الله، ومن بينهم خليل وزعيتر ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لم يحاول استجواب أي من أعضاء جماعة حزب الله المتحالفة مع إيران.

ولا تزال الأجندات السياسية تعيق تقدم التحقيقات المتعلقة بانفجار مرفأ بيروت، فيما فشلت ضغوط أهالي الضحايا في تحقيق أي اختراق في الملف مع رفض البرلمان اللبناني رفع الحصانة عن نواب (3 وزراء سابقين) مطلوبين للمثول أمام القضاء العدلي وتمسكه بمثولهم أمام مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء الذي أخفق في عقد أي محاكمة منذ تأسيسه قبل 31 سنة.

وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية اغتيالات وتفجيرات وحوادث عديدة لم يكشف النقاب عن أي منها، إلا نادرا، ولم يحاسب أي من منفذيها، لا يزال اللبنانيون وعلى رأسهم أهالي 214 قتيلا وأكثر من ستة آلاف جريح ينتظرون العدالة.

ويُشكك كثيرون في إمكانية التوصل إلى حقيقة ما حصل أو حتى محاسبة أي مسؤول سياسي أو أمني بارز.

وتؤكد مصادر قضائية أن الجزء الأكبر من التحقيق انتهى، لكن الحصانات والأذونات السياسية تقف اليوم عائقا أمام استدعاء نواب ووزراء سابقين ورؤساء أجهزة أمنية وعسكرية كانوا يعلمون بمخاطر تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في المرفأ، ولم يحركوا ساكناً لإخراجها منه.

المصدر
alarab.co.uk
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق