الأخبار و الصحفالأخبار و الصحف

الاستعصاء الإصلاحيّ مستمرّ… وسنوات “تراوح مكانها” | الجمعة 16 سبتمبر 2022

هناك مستفيدون من الوضع الحالي لناحية تقلّب سعر الصرف

وإبقاء الخدمات العامة مسعّرة في أدنى مراتب الكلفة

“النهار”- مجد بو مجاهد

تعيش البلاد انتظاراً متراكماً للمباشرة في بلورة الإصلاحات الضرورية التي لا تزال في غالبيتها حبراً على ورق. وتطرح أسئلة لا تخفت حول موعد “شطف الدرج” في وقت يفقد المواطنون الثقة بإمكان الوصول إلى الإنقاذ. وإذا كان اللبناني آمن بوطنه على الدوام، فإنّ حاله الراهنة حال من نشأ على فكرة أنّ دولته تحميه من الخارجين عن القانون، فإذا به يواجه عندما كبر دولة مزرعة خارجة عن القانون. وقد مرّت ثلاث سنوات على صياغة أكثر من ورقة إصلاحية كترياق للحلّ من دون ترجمة حتى اللحظة، رغم أنّه كان يتوجّب تنفيذ عناوين كبرى أساسية في مهلة لا تتخطّى الأشهر بعد آب 2020.

ولا تزال بنود خريطة الإنقاذ الفرنسية المقترحة تنتظر بلورة لبنانية تطبيقية، بما يشمل الحوكمة والتنظيم القضائي والمالي من خلال إنجاز التشكيلات القضائية والتعيينات القطاعية الخاصة بالهيئات الناظمة، وإطلاق دراسة لإعداد المسح الوظيفي الشامل حول الإدارة العامة، ووضع قانون استقلالية القضاء حيّز التنفيذ، وإجراء تحقيق محايد ومستقل لتبيان الحقيقة في انفجار مرفأ بيروت. وغابت الحماية الاجتماعية التي كان يفترض تعزيزها للمواطنين مع تصاعد معدلات الفقر. وينتظر استكمال العمل على التدقيق الجنائي. ولم تراقب الرساميل والتحاويل حتى اللحظة مع تعليق إقرار قانون “الكابيتال كونترول”. ولم تنقشع إصلاحات قطاع الكهرباء إضافة إلى غياب جدول زمني لرفع التعرفة وعدم إطلاق ورشة استدراج عروض معامل توليد الكهرباء بواسطة الغاز، ولم تتّخذ إجراءات لبنانية لمكافحة الفساد والتهريب حيث لا تعزيز للرقابة في المرافئ ونقاط العبور البرية، ولا إنشاء بوابات رقابية وماسحات ضوئية، ولا تطبيق على الأرض للإصلاحات الجمركية.

 

 

وتطرح “النهار” أسئلة حول أسباب الاستعصاء الإصلاحي رغم مرور الوقت. ويقرأ رئيس منظمة جوستيسسيا الحقوقية الدكتور #بول مرقص أنّ “غياب الإصلاحات مردّه ليس إلى عدم قدرة اللبنانيين على كتابة خطّة وإقرارها، بدليل أنّهم يبرعون في بلاد العالم. وهم موجودون في مؤسسات دولية مرموقة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات الأمم المتحدة. وأنجزوا عالميّاً وأرسوا الكثير من المفاهيم والبنى التحتية القانونية وغيرها. لكنّهم يعجزون لبنانياً بسبب عدم توفّر الإرادة الوطنية الجامعة للبناء معاً في غياب التضامن وكثرة المناكفات والتجاذبات ومصالح النفوذ التي تعجز عن إيصال العمل المشترك الى خواتيمه”. ويقول مرقص إنّه “من جهة ثانية، هناك مستفيدون من الوضع الحالي لناحية تقلّب سعر الصرف وإبقاء الخدمات العامة مسعّرة في أدنى مراتب الكلفة. وهؤلاء لا مصلحة لهم في الوصول إلى إصلاح طالما أنّهم يجنون أرباحاً طائلة غير مشروعة نتيجة التخبّط الحاصل”.

 

 

وبحسب عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب رازي الحاج، فإنّ “عدم إقرار الإصلاحات يأتي في غياب النية وسط التعامل القائم من الدولة، حيث لا تقارب الأزمة إلّا من ناحية السعي للحصول على القليل الأموال من الخارج. لا يريدون قيام دولة فعلية بل الاستمرار في إمساك كلّ قطاع من فريق سياسي معين واستكمال ممارسة الفساد والسرقة. ولا يمكن انتظار الوصول الى إصلاحات في غياب حكومة اصلاحية على رأس الدولة للمساهمة في الانتظام العام للدولة من دون حسابات خاصة”. ويقول الحاج إنّ “موضوع الموازنة التي تعكس سياسة الدولة المالية، وتشكل إحدى المشاكل التي أوصلت إلى الاوضاع الراهنة في غياب الموازنة الإصلاحيّة هي أبسط الأمثلة. وطالما، أنّه لا إصلاحات في الموازنة والقدرة على زيادة الإيرادات بشكل منطقي ومقبول، لن نصادق عليها. وها نحن نحتاج الى فذلكة موازنة جديدة لكنّ الوقت صار ضيّقاً”.

يظهر بوضوح في البحث عن سير ذاتية إصلاحية بطاقة تعريف الرئيس فؤاد شهاب، الذي تشرح مسيرته معاني بلورة الإصلاحات في إطار مسعى بناء دولة المؤسسات. وترجم الرئيس الشهابي رؤيته عبر إصلاح الإدارة وفصلها عن السياسة ومحاربة الفساد واعتماد مبدأ الكفاية في التعيينات وإنشاء الأجهزة الرقابية. وسُجّل تاريخ ولادة هيئة التفتيش المركزي وديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية في عهده، كمؤسسات تمتّعت باستقلاليتها وحظيت بأهمية بارزة في ممارسة الصلاحيات بطريقة صحيحة. وإذا احتكم شهاب إلى الأسلوب العلمي في أدائه العملي، استعان باختصاصيين أجانب لمساندته في رسم معالم الحكم. وساهم في تطوير القطاع التربوي. وافتتح لهذه الغاية الصروح التعليمية في الأرياف والمدن. وعمل على تعزيز قدرات التعليم المجّاني ورفع مستوياته.

وفي التجربة الثانية اليافعة التي اختُصرت في “عشرين يومًا ويومٍ”، شكّل وصول الرئيس الشهيد بشير الجميّل إلى سدّة الحكم انطلاقة كفرصة إصلاحية يستذكر معاصروها انتظام عمل مؤسسات الدولة واحترام الموظفين ساعات عملهم وتهيّبهم أمام رئيس اتّخذ مهمّة محاربة السمسرات والتخلّص من واقع دولة مهترئة. واستقرأ مواكبو حقبته في وصوله قدرة على التغيير كميزة ظهرت سريعاً خلال أسابيعه الثلاثة رئيساً للجمهورية بمؤهلات قائمة على الجرأة ونظافة الكفّ والترفّع عن المسائل المادية، في مرحلة كان اللبنانيون يبحثون خلالها عن كيفية بلورة معنى محاربة الفساد والانتقال الى نمط غير تقليدي في الحكم. وتمثل قوام هذا التغيير في الانتقال من اللا دولة إلى الدولة القوية بجيشها ونقدها الوطنيين. وبدا جليّاً في قلب الذكرى الأربعين لاستشهاد الرئيس الجميّل، الرهان النابض لدى القوى السيادية على وصول رئيس سيادي – إصلاحيّ يمثّل مشروعاً تغييرياًّ نحو بناء تطلّعات إلى مستقبل أفضل.

المصدر
akhbaralyawm
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق