ملخص
يعتبر مجلس الأمن الدولي الأداة “التنفيذية” للأمم المتحدة بسبب امتلاكه قائمة من الإجراءات تراوح ما بين إلزام الدول بقراراته إلى فرض الحصار والعقوبات، وصولاً إلى استخدام القوة تحت الفصل السابع… لكنه في المقابل، يعتبر أداة بيد الدول الخمس الكبرى التي تمتلك حق النقض، وبالتالي تعطيل وإسقاط أي قرار يخالف مصالحها.
شكلت الحرب العالمية الثانية صعقة لشعوب الأرض، ودفعت الفاعلين للبحث عن إطار عملي لمنع تكرارها بوصفها أشد حروب التاريخ حتى يومنا. فقد تراوح عدد ضحاياها بين 35 و60 مليون شخص. الأمر الذي دفع دول الحلفاء التي واجهت صعود النازية حينها إلى البحث عن تأسيس منظمة عالمية جديدة، ووريث شرعي لـ”عصبة الأمم”، فكان التوجه لإنشاء منظمة الأمم المتحدة، بأداة تنفيذية فعالة هي مجلس الأمن. استثمر الحلفاء مكاسبهم الميدانية في تكريس نفوذها على مستوى السياسة الدولية، وظهر ذلك في أبهى صورة من خلال تكريس حق النقض (الفيتو)، للقوى الخمس الكبرى أي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين والاتحاد السوفياتي سابقاً (روسيا الفيدرالية اليوم)، ليصبح الفيتو أداة مؤثرة في السياسة الدولية، فهو يسمح لأي دولة من هذه الدول بتعطيل وإسقاط أي قرار يخالف توجهاتها داخل مجلس الأمن.
ما هو مجلس الأمن؟
في عام 1945، وقبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، نشأت منظمة الأمم المتحدة بوصفها منظمة دولية في مؤتمر سان فرانسيسكو بمشاركة أكثر من 50 دولة مؤسسة، فيما تتكون المنظمة حاضراً من 193 دولة. وتهدف للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والتعاون بين الدول الأعضاء. ولغاية تحقيق أهداف الأمم المتحدة، تم إنشاء مجلس الأمن كهيئة تنفيذية.
شهدت المفاوضات السابقة لإنشاء المنظمة الدولية على تحفظات واسعة ضد حق النقض من قبل الدول الصغرى، في مقابل إصرار الدول الكبرى على ذلك. وفي النهاية، تمكنت الدول الكبرى من فرض شروطها. يروي فرانسيس ويلكوكس مندوب الولايات المتحدة إلى مؤتمر 1945 حدوث انقسام الدول حول حق النقض، وصولاً إلى فرض ذلك على الدول “الصغرى”، حيث أكد السيناتور كونيللي من الوفد الأميركي لتلك الدول بأنها ستشعر بالذنب حيال ذلك، وسينسفون الميثاق.
يشير المرجع في القانون الدولي محمد المجذوب في كتابه التنظيم الدولي إلى أن “مشكلة التصويت في مجلس الأمن من أدق المشاكل التي تعترض سبيل هيئة الأمم المتحدة. وقد دب الخلاف حول هذه المسألة في مؤتمر “دمبارتون أوكس”، ولم يحل إلا في مؤتمر يالطا 1945، حيث تقدم فرانكلين روزفلت باقتراح، وهو الاقتراح الذي صيغ في المادة 27، وأقره ونستون تشرشل وجوزيف ستالين، ومن ثم وافقت الصين عليه. وفي مؤتمر سان فرانسيسكو عرض الحل على المجتمعين فاندلع الخلاف من جديد بينهم، وحملت الدول الصغرى على الامتيازات التي أقرتها الدول الكبرى نفسها. غير أن الاعتراضات لم تغير من صيغة الاتفاق الذي اتخذه الكبار في يالطا”. ويضيف في مكان آخر “إن إلغاء هذا الحق ليس من الأمور اليسيرة. إنه يتطلب تعديلاً للميثاق. والميثاق لا يعدل إلا بموافقة الخمسة الكبار”.
تركيبة دقيقة
يوضح الباحث القانوني رفيق هاشم ماهية مجلس الأمن الذي “يتألف من 15 عضواً، ويتوزعون بين خمسة أعضاء دائمين، وهم الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، و10 أعضاء غير دائمين، تنتخبهم الجمعية العامة لمدة عامين، ولكل عضو صوت واحد”، مضيفاً “يأخذ المجلس زمام المبادرة في تحديد وجود تهديد للسلم الدولي، أو عمل من أعمال العدوان. ومن صلاحياته أن يطلب من الدول الأطراف في نزاعٍ معين تسويته بالطرق السلمية. وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، على جميع الدول الأعضاء الامتثال لقرارات المجلس. وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن اللجوء إلى فرض عقوبات وجزاءات، وصولاً إلى الإذن باستخدام القوة لصون السلم والأمن الدوليين وإعادتهما. ويتولى رئاسة المجلس كل من أعضائه بالتناوب بصورة شهرية”.
أما عن بنية مجلس الأمن، فيوضح هاشم أنه يتألف من لجان وهيئات فرعية وفرق عمل تعاونه، قائمة من أعضاء المجلس الـ15. ومن أهم هذه اللجان، لجنة مكافحة الإرهاب التي تعمل على تعزيز قدرة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على منع الأعمال الإرهابية داخل حدودها وعبر المناطق.
فاعلية مجلس الأمن وعنف الفصل السابع
يتمتع مجلس الأمن الدولي بقوة معنوية، وكذلك بأدوات تنفيذية، تصل إلى حد استخدام القوة والعنف المادي. يلفت المحامي هاشم إلى أن “لمجلس الأمن أداة مهمة لإنفاذ مقرراته نص عليها الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهي تتمثل بصلاحية استخدام سلاح العقوبات والجزاءات للضغط على دولة أو كيان معين من أجل الامتثال للأهداف التي حددها المجلس، من دون اللجوء لاستخدام القوة. وتتعدد أشكال جزاءات مجلس الأمن في إطار السعي لتحقيق أهدافه، بحيث تراوح ما بين جزاءات اقتصادية وتجارية شاملة وأخرى أكثر تحديداً مثل حظر الأسلحة ومنع السفر وفرض قيود مالية أو مصرفية أو قيود على السلع. ويطبق مجلس الأمن عقوبات لدعم الحلول السلمية، ولردع التغييرات غير الدستورية، ولتقييد الإرهاب، ولحماية حقوق الإنسان، ولتعزيز عدم الانتشار النووي”.