News Press

“الصندوق السيادي”: حفظ حقوق الأجيال أم وسيلة للسطو على ثروة الغاز؟ | الإثنين 17 أكتوبر 2022

الهدر الداهم اليوم يتعلق بكيفية تلزيم عمليات التنقيب والحفر واحتمال الاستخراج

 “النهار”- سلوى بعلبكي

ما ان اعلن لبنان موافقته الرسمية على ترسيم الحدود البحرية، حتى هلل البعض للاتفاق الموعود على اعتبار أن لبنان سيصبح بلدا نفطيا، فيما كثر الحديث عن أهمية إنشاء صندوق سيادي لإدارة عائدات النفط والغاز بطريقة تحفظ حقوق الأجيال القادمة، انطلاقا من أن المحافظة على الثروة النفطية واجب وطني وأخلاقي… فما هو هذا الصندوق؟

يوضح رئيس مؤسسة “جوستيسيا” الدكتور بول مرقص لـ”النهار” أن “صندوق الثروة السيادي عبارة عن مجموعة من الأموال المملوكة للدولة والتي يتم استثمارها في أصول مالية مختلفة. عندما يكون لدى دولة ما فائض في الميزانية، فإنها تستخدم صندوق الثروة السيادية كطريقة لتوجيهها إلى الاستثمارات بدل الاحتفاظ بها في المصرف المركزي، وكان أول صندوق ثروة سيادية هو هيئة الاستثمار الكويتية، التي تأسست عام 1953 لاستثمار فائض عائدات النفط.

وتختلف دوافع إنشاء صندوق الثروة السيادية من دولة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال، تولّد الإمارات العربية المتحدة جزءا كبيرا من عائداتها من تصدير النفط وتحتاج إلى وسيلة لحماية الاحتياطات الفائضة من المخاطر القائمة على النفط؛ وتاليا، فإنها تضع جزءا من هذا المال في صندوق ثروة سيادي”.

أما بالنسبة للبنان، فيشير مرقص الى القانون الرقم 132/2010 (قانون الموارد البترولية في المياه البحرية) الذي نص على “إنشاء صندوق سيادي تودع فيه العائدات المحصلة من الدولة الناتجة عن الأنشطة البترولية أو الحقوق البترولية، وبالتالي فقد كانت هذه المرة الأولى التي يعتمد فيها مبدأ صندوق الثروة السيادية في لبنان، وذلك في قانون الموارد البترولية الذي أقرّه مجلس النواب عام 2010 وعملت عليه وزارة الطاقة آنذاك”.

وبموجب المادة الثالثة من قانون الموارد البترولية: “يحدّد نظام الصندوق ونظام ادارته الخاصة، ووجهة استثمار وتوظيف واستعمال العائدات بموجب قانون خاص بالاستناد الى مبادئ وأسس واضحة وشفافة للتوظيف والاستعمال، تحتفظ من خلالها الدولة برأس المال وبجزء من عائداته بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة، وتصرف الجزء الآخر وفقا لمعايير تضمن حقوق الدولة من جهة، بما يجنّب الاقتصاد أية انعكاسات سلبية محتملة على المدى القصير والطويل”، أي أن المبدأ الذي أرساه هذا القانون، وفق ما يقول مرقص، هو أن “الواردات النفطية الواردة في صندوق الثروة السيادية لا يستهلكها جيل واحد من اللبنانيين ويقوم على تحويل الثروة النفطية إلى ثروة مالية متجددة للحفاظ عليها لخدمة جميع الأجيال اللبنانية الحالية والمستقبلية”.

يتم انشاء هذا الصندوق بموجب مشروع قانون يحال الى المجلس النيابي، الذي بدوره يحيله الى اللجان المختصة كلجنة الادارة والعدل والمال والموازنة والاشغال والطاقة. بعدئذ يحال هذا المشروع الى اللجنة الفرعية التي عند الانتهاء من دراسته ترسله الى اللجان المشتركة والهيئة العامة حيث يقرّ وينشأ الصندوق.

ماذا عن الإشراف والادارة؟ يشير مرقص الى أن “قانون الموارد النفطية نص في مادته الثامنة منه على انه يحدد مجلس الوزراء السياسة النفطية العامة للدولة، لا سيما في ما يتعلق بإدارة مواردها النفطية ويمنح وزير الطاقة صلاحية توقيع اتفاقات التنقيب والإنتاج. اضافة الى ذلك نصّت المادة العاشرة من القانون عينه على صلاحيات هيئة قطاع البترول التي تتمتع بالاستقلالين المالي والاداري والتي ترتبط بالوزير الذي يمارس عليها سلطة الوصاية اي وزير الطاقة، وتخضع بعض قراراتها المالية والادارية لتصديقه، وفق ما يرد في مرسوم تنظيمها”.

أما العائدات البترولية بموجب الصندوق، فإنها تستعمل وفق مرقص “لتحويل الموارد الطبيعية إلى أصول مالية واستثمارها في توليد مصادر طويلة الأمد لمداخيل الحكومة من أجل الأجيال المستقبلية. اضافة الى ذلك، يمكن لهذه العائدات النفطية أن تغطي النقص في الميزانية الناتج عن انخفاض غير متوقع في اسعار النفط أو المعادن العالمية، كما يمكنها أن تخصص لنفقات محددة كالصحة، أو التربية، وجذب استثمارات خارجية الى لبنان مما يساهم في مزيد من التنمية”.

الاستحواذ على دولارات “فريش” بشكل مباشر!
“ما تقول فيول تايصير بالمكيول”، ربما هي العبارة الأكثر دلالة على وضع لبنان في ملف الثروة الموعودة، إذ يعتبر رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني انه “لا يمكن اطلاق تسمية “بلد نفطي” على لبنان، في ظل عدم اكتشافه الغاز المزعوم بعد، بكميات تسمح بالاستخراج وتغطي الكلفة. وحتى لو بدأ لبنان التنقيب فورا، وتأكد وجود كمية ونوعية تجارية مناسبة، فلن يستطيع لبنان تصدير الغاز قبل 8 سنوات، ولكن يمكننا حينها البحث اقله في جدوى انشاء صندوق سيادي”.

ووفق تقرير أعده المعهد فإن “بعض الدول تمتلك صناديق سيادية وتستعملها لإنفاق عائداتها النفطية لاحقا أو لاستثمارها. وفيما تفضل بعض الدول المصدرة للنفط والغاز حماية نفسها من تقلبات الأسعار العالمية، فتبقي المال في الصندوق السيادي عندما تكون أسعار النفط والغاز مرتفعة وتنفق منه حينما تنخفض الأسعار العالمية، وهو ما يؤمن عنصر الاستمرارية للنفقات العامة، تفضل دول أخرى استثمار أموال الصندوق خارج حدودها ما يسمح بتنويع المخاطر وتلافي تضارب المصالح وإغراءات الفساد. وتشتري هذه الصناديق سندات آمنة وأسهم شركات عالمية، كما يفعل صندوق النرويج السيادي الذي يمتلك حصة 1.4% من جميع الشركات المدرجة في العالم”.

أما في حالة لبنان، فيشبه مارديني أموال الصندوق السيادي باحتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية، “إذ عمد المركزي الى إقراض الحكومة بالليرة، عندما رفع توظيفاته بسندات الخزينة من 29% في العام 2012 إلى 58% قبيل أزمة العام 2019. ثم عاد وحوّل لصالح الحكومة ما أقرضها إياه بالليرة الى دولار، على سعر صرف ثابت بلغ نحو 1500 ليرة لكل دولار. وبهذه الطريقة استحوذت الحكومة على 62.7 مليار دولار “فريش” من المركزي، منها 25.4 مليار دولار صرفتها على الكهرباء و7.6 مليارات دولار صرفتها على الدعم، وغير ذلك من المصاريف. ورغم الفجوة في صندوق المركزي، تستمر الحكومة اليوم في صرف دولارات مصرف لبنان على الدعم مثلا رغم تسبب ذلك بانقطاع الخبز والدواء المدعوم”.

اما في ظل الصندوق السيادي، فيشير مارديني الى أن “للحكومة الاستحواذ على الدولارات “الفريش” بشكل مباشر من دون اللجوء إلى الطرق الملتوية. فإدارة الصندوق ستعيّنها الحكومة وعائداته ستموّل النفقات الحكومية بحجة تقليص مستوى الدين العام، أو تضييق الفجوة أو تأمين حماية اجتماعية أو تحقيق تنمية اقتصادية عبر مشاريع الكهرباء والمياه وغير ذلك من الحجج لإنفاق هذه الأموال. وقد جرت العادة أن تشوب جميع هذه النفقات شبهات فساد وصفقات بالتراضي، وهو ما يكرر احتمال حصول فجوة مالية في الصندوق السيادي تكون مشابهة لتلك التي حصلت في احتياط مصرف لبنان. عندها ستتبخر أموال النفط والغاز (إن وُجِدت) كما تبخرت أموال المودعين، وسيحمّل السياسيون، الذين أنفقوا هذه الأموال على مشاريع مكلفة وغير مجدية، المسؤولية لإدارة الصندوق (كما فعلوا مع مصرف لبنان) التي ستتنصل بدورها من المسؤولية متهمة الحكومة، فيضيع “الشنكاش” ومعه مقدرات البلاد”.
أما البديل المقترح من الصندوق السيادي، أي إدارة الحكومة مباشرة للأموال عبر وزارة الطاقة أو المال أو مجلس الوزراء، فسيفتح الباب على مصراعيه للتجاذبات السياسية ويزيد شبهات الفساد وهدر الأموال، وفق مارديني، و”في حال كان الهدر في الصندوق السيادي يتعلق بكيفية إدارة الأموال التي قد يحصلها لبنان مستقبلا، فالهدر الداهم اليوم يتعلق بكيفية تلزيم عمليات التنقيب والحفر واحتمال الاستخراج. إذ يمكن أن تفرض الحكومة اللبنانية شريكا لبنانيا على الشركات الأجنبية يتم اختياره على أساس الفساد والمحسوبيات، فيقتطع جزءا يسيرا من مداخيل النفط والغاز قبل وصولها إلى الصندوق السيادي. من هنا ينبغي العمل على حلول من “خارج الصندوق” تسمح بإعطاء ملكية المقدرات الطبيعية للشعب اللبناني مباشرة، لا للحكومة اللبنانية أو صناديق تنتدبها الحكومة”.

Source
akhbaralyawm.com
Show More

Related Articles

Back to top button
Close