بعد سجال ومشاحنات طويلة حول موضوع التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون حسمها مجلس النواب الأسبوع الماضي و أقر قانون رفع سن التقاعد لقادة الأجهزة الأمنية برتبة لواء وعماد لمدة سنة واحدة في حين أن هناك اتجاه لتقديم طعن أمام المجلس الدستوري من قبل معارضين لهذا القرار.
وبعيداً عن السياسة و في مقاربة قانونية للقانون الذي اقره مجلس النواب، اعتبر رئيس مؤسسة JUSTICIA والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص في حديثه الى صوت بيروت إنترناشونال، أن القانون الذي أقرّه مجلس النواب يوم الجمعة لا يشكل سابقة في لبنان رغم انه استثنائي لناحية التمديد.
وقدم مرقص شرحاً قانونياً وافياً حول الموضوع وقال :في ما يتعلّق بالسنّ القانوني للتسريح الحكميّ للعسكريين، فقد نصّت عليه المادّتان /56/ و/57/ من المرسوم الاشتراعي رقم /102/ لعام 1983 (قانون الدفاع الوطني)، حيث نصّت المادة /57/ منه على أنه:
“مع مراعاة أحكام المادة 55 من هذا المرسوم الاشتراعي يتم تسريح الرتباء والافراد بموجب قرار يصدر عن قائد الجيش، في الحالات التالية:
1- حكماً: عند بلوغهم حدّ السن القانونية وهي التالية:
أ- للرتباء: 48 سنة.
ب- للأفراد: 45 سنة.
2- استنسابيا: عند اكمالهم المدة القانونية التي توليهم حق الحصول على المعاش التقاعدي وهي ثماني عشر سنة…”
ولم يتناول المرسومان الاشتراعيان (/112/ و/102/) أي أحكام تتعلّق بتمديد سنّ التقاعد، مما يشير إلى ضرورة صدور تشريع يسمح بالتمديد، ولفت مرقص أن هذه ليست المرّة الأولى التي يصدر فيها تشريع للتمديد ففي عهد رئيس الجمهورية السابق إلياس الهراوي أقرّ مجلس النواب القانون رقم 463/1995 يتعلّق “بتعديل سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد في الجيش واجازة تمديد تعيين الموظفين الفنيين في ملاك المديرية العامة لرئاسة الجمهورية”.
وقد جاء في الأسباب الموجبة لهذا القانون ما حرفيّته: “نظراً لقرب إحالة العماد قائد الجيش على التقاعد عملاً بأحكام المادة 56 من قانون الدفاع الوطني. ونظرا لكون المدير العام رئيس الفرع الفني في ملاك المديرية العامة لرئاسة الجمهورية يبلغ السن القانونية بتاريخ 1996/6/30 وسيحال على التقاعد عملا بأحكام المادة 68 من نظام الموظفين اعتبارا من 1996/7/1.
وحيث أن المصلحة الوطنية العليا تقضي بالاخذ بعين الاعتبار دقة المرحلة على الصعيد الاقليمي، وضرورة الاستمرار في تدعيم ركائز الدولة لمواجهة التحديات المستقبلية. ونظرا لما لمؤسسة الجيش من اهمية كركيزة اساسية من تلك الركائز. وحيث ان المنهجية المتبعة على مستوى قيادة هذه المؤسسة اثبتت نجاحها بما يؤهلها للاستمرار في مواجهة اعباء المستقبل…”
ونصّت المادة الأولى منه على أنه:
“خلافاً لأحكام المادة 56 من المرسوم الاشتراعي الرقم 102 تاريخ 16/9/1983 وتعديلاته, لا سيما القانون الرقم 329 تاريخ 18/5/1994, يعدل ولمرة واحدة فقط سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد بحيث يصبح 63 سنة بدلا من 60 سنة.
تطبق هذه الاحكام على الضباط في الخدمة الفعلية الذين يحملون رتبة عماد بتاريخ صدور هذا القانون”.
مما يشير إلى أن التمديد لم يشمل فقط العماد قائد الجيش الذي كان سيحال على التقاعد.
كما أن في عهد الرئيس عون عام 2021، صدر قانون يحمل الرقم /242/ أخرّ فيه تسريح عقداء في الجيش لحين بلوغهم سنّ الثامنة والخمسين، حيث نصّت المادة الأولى منه على ما يلي:
“خلافاً لأي نص آخر، وبصورة استثنائية يؤخر تسريح العقداء في الجيش والقوى الأمنية كافة الذين صدرت مراسيم بوضعهم على جدول الترقية اعتباراً من تاريخ 1/1/2020 أو الذين قيدت أسماؤهم لدى قيادة الجيش اللبناني في الفترة عينها وذلك لحين بلوغهم سن الثامنة والخمسين من عمرهم، وإعادة استدعاء من سرح من السادة العقداء منذ 1/1/2020 إلى الخدمة لبلوغه سن الستة وخمسين مع حفظ جميع حقوقهم المالية والمعنوية لحين إصدار مراسيم ترقيتهم حسب الأصول.”
وبالعودة الى القانون المتعلق بالتمديد لقائد الجيش، وحول إمكانية الطعن بدستوريته، يقول مرقص ان الطعن أمر وارد دائماً وهو لا يتطلب مجهوداً فائقاً لأنه يكفي أن يتقدم به عشرة نواب، إلا أن مضمون الطعن هو الأساس و يجب أن يُثبت أن القانون المطعون به مخالف للدستور مشيراً إلى أن من وجوه المخالفة أن يكون القانون غير متسم بصفات العمومية والتجرد و الشمولية التي يجب أن يتسم بها أي قانون، وهذا ما جاء متوافقاً مع قرار المجلس الدستوري رقم ٢/٢٠١٧ والذي جاء فيه أنه “يجب أن تتوافر في القانون شروط التجرّد والعمومية وأن لا يكون شخصياً، على الرغم من تناوله فئة محددة من المواطنين”.
ويشير مرقص إن واضعي قانون التمديد حاولوا احترام هذه المعايير، إلا أن نتيجة التمديد تنسحب إلى أشخاص معينين وهذا ما يمكن للطاعنين أن يستندوا إليه مع اعتقادي بصعوبة اثبات ذلك، أما الحجة الإضافية المتعلقة بعدم جواز التشريع خلال الشغور الرئاسي فإنه مردود أصلاً بسبب أن المجلس الدستوري قد اعتبر في حزيران الماضي خلال نظره بدستورية التمديد لقانون البلديات أن هذا التشريع جائز .
وعن المسار القانوني لتقديم الطعن يقول مرقص: يتقدم عشرة نواب أو رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة بمراجعة الطعن أمام المجلس الدستوري خلال ١٥ يوماً من نشر القانون في الجريدة الرسمية و على المجلس الدستوري أن يبت في الطعن بعد أن يستنفذ المهل التي تقارب الشهر و يقرر إما إبطال القانون أو عدمه لافتاً إلى أن قرار المجلس الدستوري ملزم لجميع السلطات.
وبالرغم من صلاحية وإمكانية المجلس الدستوري وقف تنفيذ مضمون قانون التمديد، الا ان مرقص استبعد هذا الأمر أيضاً، كما استبعد قبول مراجعة الطعن لسبب جوهري آخر وهو المتعلق بحق التقدير المتروك للسلطة التشريعية في الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد لاسيما وأننا في وضع استثنائي حربي في جنوب لبنان.
وإذ رأى مرقص أن مراجعة الإبطال أمر جائز، توقع أن الإبطال أمر صعب خصوصاً و أن المجلس الدستوري لن يناقش على الأغلب الأسباب الطارئة و الضرورية التي تقف وراء هذا التشريع الاستثنائي بسبب المصلحة السيادية التقديرية التي يتمتع بها مجلس النواب.
مصدر: