ليس بيان “مجموعة الحبتور” بشأن إقفال استثماراتها ومشاريعها في لبنان، الا عيّنة واضحة عن الدرك الذي وصلت إليه علاقات لبنان مع محيطه العربي والخيلجي. ففي كل مرّة يمد لنا المستثمرون العرب يد العون للخروج من القعر، يسارع من يدورون في فلك “قوى الممناعة” لقطعها تنفيذًا لأجندات خبيثة باتت مكشوفة.
تأكيد “مجموعة الحبتور” أنها “لو حصلت على دعم وحماية الحكم والحكومة اللبنانية، لم تكن لتعلق استثماراتها في لبنان”، يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات عن سبب عدم وقوف الدولة بجميع مؤسساتها لحماية هؤلاء المستثمرين من الحملات الممنهجة المتواصلة التي يتعرّضون لها منذ فترة طويلة، خصوصا أن رئيس مجلس إدارة هذه المجموعة السيد خلف أحمد الحبتور اكتسب سمعة لا غبار عليها في نظر الكثير من اللبنانيين وهو الذي أثبت أكثر من مرة أنه، أسوة بغيره من الإخوة العرب، خير سند للبنان في محنته عبر الاستثمارات والمشاريع التي كان يحرص على استمرارها وعمله لتأمين فرص عمل للبنانيين في الداخل والمغتربيين منهم في الإمارات. الى ذلك رفض الحبتور قطع أرزاق الكثير من اللبنانيين، وكان قد سجّل له نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر في تصريح سابق دفع فواتير كهرباء وصلت قيمتها الى حوالي 136 ألف دولار عن كل موسم.
في المقابل، أثار بيان “مجموعة الحبتور” استياء فعاليات سياسية واقتصادية كثيرة، عبّرت عن تضامنها مع الحبتور. في هذا الإطار، أكد النائب في البرلمان اللبناني وليد البعريني أن “تأمين الضمانة الداخلية للمستثمرين واجبٌ على الدولة”، مؤكّدا أن “التعرّض للمستثمرين وعدم حمايتهم ودعمهم مرفوض فلبنان لا يمكنه تحمّل تبعات هذه الحملات ولا يمكنه أن يتغلّب على محنته من دون مساعدة إخوته العرب”.
من جهته، رأى وزير السياحة السابق فادي عبود في حديث لموقع “الكلمة أونلاين” أنه “تبيّن أن الحكومة اللبنانية لا تملك أدنى فكرة عن كيفية بناء اقتصاد الصمود وعلى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وجميع الوزراء البدء بالبحث عن الآليات المطلوبة لتثبيت هذا المفهوم”، معتبرا أن “الممسكين بمفاصل القرار اللبناني يحاربون المستثمرين، والسكوت عن الحملات التي يتعرّض لها المستثمرون العرب هو نتاج جهل المعنيين لمفهوم اقتصاد الصمود وضرورة المحافظة على فرص العمل في لبنان”. وقال: “أن يصدر كلامٌ بهذه الخطورة عن “مجموعة الحبتور” من شأنه أن ينعكس سلبًا على لبنان كما أنه سيدفع المستثمرين الى رفض القدوم والاستثمار في لبنان”، مضيفا: “الحبتور مستثمر عالمي وصوته مسموع وكان يجب علينا مداراته وإيلاؤه كل الاهتمام وما حصل خطأ مميت ويجب الرّجوع عنه”.
أما الرئيس السابق للمحكمة العسكرية في لبنان، القاضي بيتر جرمانوس فرأى في حديث لـ “الكلمة أونلاين” أن “عوامل كثيرة تجعل من الصعب على المستثمرين، خاصة الخليجيين والعرب، الشعور بالأمان والثقة في بيئة الاستثمار اللبنانية”، مشدّدا على “غياب ثقة المستثمرين بالتزام الحكومة اللبنانية بإصلاحات جادة، وهو ما يدفعهم إلى البحث عن بيئات استثمارية أكثر أمانًا واستقرارًا.
واعتبر أنه “كان على الحكومة اللبنانية اتخاذ خطوات حازمة وجادة لحماية المستثمرين العرب، وخاصة الشخصيات البارزة مثل السيد خلف الحبتور، والذي يُعتبر من الأصدقاء المخلصين للبنان”، لافتا الى أن “مثل هذا الدعم كان من شأنه أن يعزز مناخ الاستثمار، ويحمي مصالح المستثمرين، ويشجع المزيد من الاستثمار الخارجي، وهو ما يحتاجه لبنان بشدة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية”.
وأيضا، ذكر جرمانوس أنه “كان على الحكومة أن تتبنى مجموعة من التدابير لضمان بيئة استثمارية آمنة وجاذبة، بما في ذلك سن قوانين تحمي المستثمرين من التهجمات الإعلامية والمضايقات، وتضمن سهولة انتقال الأموال، وتحقيق الشفافية في التعاملات التجارية، كما كان عليها أن تدين بشكل رسمي أي حملات تشويه تستهدف المستثمرين، خاصة الأفراد الذين قدموا الكثير للبنان وساهموا في دعم اقتصاده على مر السنين.
وفيما يتعلق بالسيد خلف الحبتور، فقد أشار جرمانوس الى أن “استهدافه من بعض الأصوات التي لا تقدر جهوده يُعدّ إساءة للبنان نفسه، خاصة أنه لطالما وقف إلى جانب لبنان وسعى للترويج له كوجهة استثمارية وسياحية. كل إساءة إلى شخصه هي إساءة مباشرة لمصالح لبنان وسمعته، وواجب الحكومة أن تدافع عن الأصدقاء الأوفياء للبنان وتقدر جهودهم، بدلًا من السماح لمثل هذه الحملات بأن تستمر وتضر بعلاقات لبنان”.
وفي الشّق الإقتصادي، شرح الخبير الاقتصادي نسيب غبريل في حديث لـ “الكلمة أونلاين” أن “الاستثمارات الأجنبية في لبنان سجّلت تراجعًا كبيرًا منذ ما قبل حصول الأزمة لأسباب عدة منها المناخ الاستثماري وبيئة الأعمال والقدرة التنافسية لاقتصاد البلد مقارنةً بالدول الاخرى بالإضافة الى مؤشّر حماية الملكية الفكرية”.
أما المؤشّرات الأهم، فهي وفقًا لغبريل، الحوكمة والإدارة الرشيدة والنظام القضائي وآلية المحاسبة المعتمدة في البلد وتطبيق القوانين، وبالتالي المسؤولية تتوزّع على جميع مؤسسات وأجهزة الدولة من الحكومة، إلى المجلس النيابي حيث تقبع الكثير من مشاريع القوانين دون مناقشتها وصولًا الى الجسم القضائي وغيره”.
وإذ رأى أن “طريقة معالجة الأزمة لم تكن سليمة منذ البداية”، أشار غبريل الى أن “معالجة الأزمة تبدأ بالعمل لاستعادة الثقة وهذا الأمر لا يتم عبر اتخاذ إجراءات قانونية فقط بل يتعلّق بشكل رئيسي بالحوكمة والإدارة الرّشيدة في القطاع العام، ما يعني الالتزام بالمهل الدستورية، احترام فصل السلطات، دعم استقلالية القضاء وقدراته وتطبيق القوانين، مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، رصد عمليات التهريب عبر الحدود ومنعها، تقليص حجم الإقتصاد الموازي والنقدي”.
من جهة أخرى، أوضح غبريل أن “المقاربة التي اعتُمدت لإعادة أموال المودعين لم تسهم باستعادة الثقة”، مشدّدًا على أنه “بات من الضروري تغيير السياسة الإقتصادية المعتمدة بشكل جذري، فور انتهاء الحرب القائمة حتى نتمكّن من استعادة ثقة المستثمرين الأجانب والعرب والمواطنين والمودعين والمغتربين”.
الى ذلك، لفت غبريل الى أن “على لبنان تحسين علاقته السياسية الرسمية مع الدول الخليج العربي الذين يشكّلون المصدر الأساسي للاستثمارات”، مضيفًا أن “وتيرة الحملات التي يتعرّض لها المستثمرون العرب منذ أكثر من 10 سنوات ارتفعت بسبب تقاعس المعنيين عن بدء تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للخروج من الأزمة، كما أنه من الطبيعي أن يشتكي كبار المستثمرين من الوضع في لبنان وعلى رأسهم مجموعة الحبتور، الذي يتكلّم بـ “لسان حال” جميع من يرغب بالاستثمار في لبنان”.
وقال: “التعطيل الممنهح لعمل المؤسسات يشكل رادعًا كبيرًا للاستثمارات، فالفراغ الكبير الذي كان يستمر لأشهر وسنوات على مستوى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في السنوات الماضية من شأنه أن يقدّم صورة سلبية عن لبنان ويساهم بتراجع الاستثمارات فيه”.
وفي السياق، تطرّق أستاذ القانون الدولي ورئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية الدكتور بول مرقص، في حديث لموقع “الكلمة أونلاين”، إلى قانون وسيط الجمهورية الصادر عام ٢٠٠٥ والذي ينص على تعيين وسيط للجمهورية بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء.
ووفقا لمرقص، “يشكل وسيط الجمهورية، حاجة لبنانية لتسهيل عمل المستثمرين وحماية استثماراتهم وتسهيل معاملاتهم الادارية وكافة الاجراءات المطلوبة في سياق عملهم،” لافتا الى أن “الحكومة اللبنانية تقاعست عن تعيين وسيط الجمهورية الذي يتمتّع بصلاحيات واسعة، فهو شخصية مستقلّة عن كل مؤسسات الحكم، مهمّتها تسهيل العلاقات مع الإدارة، وتقريب وجهات النظر بين جميع المدنيين والإدارة”.
على صعيد آخر، لفت مرقص الى أن “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يمكن بدورها أن تساهم بحماية الاستثمارات، عبر استقصاء جرائم الفسام ومنع استخدام الرشوة وغيرها من الصلاحيات التي يمكن أن تؤمن البيئة الحاضنة للمستثمرين ومنع عرقلة أعمالهم في لبنان”.
بدوره، اعتبر رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام القاضي الشيخ خلدون عريمط ، في حديث لموقع “الكلمة أونلاين” أن “مؤسسات الدولة اللبنانية وعلى رأسها الحكومة مقصّرة تجاه المستثمرين العرب وخاصة الخليجيين الذين لم يترّددوا في دعم لبنان”.
الشيخ عريمط ذكر أن “السيد خلف الحبتور من كبار المستثمرين الذين حرصوا على مساعدة اللبنانيين، كما قدّم آلاف الوحدات الغذائية بالاضافة الى العديد من المشاريع التي افتتحها في لبنان ووفّر من خلالها آلاف فرص العمل للبنانيين”.
ورأى أن “الثقة مفقودة بين لبنان وأشقائه العرب نتيجة الأخطاء السياسية المتراكمة، وعلى رأسها الانحياز الى إيران ومشروعها في المنطقة ما أدى الى ضرب الإقتصاد اللبناني”.
وقال: “على جميع أركان الدولة العمل لوضع حد لأزمة الثقة بين لبنان ورجال الأعمال العرب الذين أحبوا لبنان واستثمروا فيه”، مشدّدا على أن “من يقف خلف حملات التحريض هم صغار النفوس الذين تحرّكهم بعض الجهات المعادية لمصلحة لبنان ولعلاقته مع أشقائه العرب”، واصفا إياهم بأنهم “مجموعة مرتزقة” يدورون في الفلك الإيراني ولهم مصالح مع حزب الله المعروف بعلاقاته السلبية مع الأشقاء العرب”.
وتابع: “تبيّن في محنة لبنان الأخيرة أن من احتضن الشعب اللبناني ووقف مع لبنان هم الأشقاء العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والامارات وقطر، في حين لا تجلب إيران للبنان إلا الخراب”.