JUSTICIA Foundation

قصة الحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا: العقدة التاريخية – الجمعة 28-10-2022

في الأسبوع الأخير من عهد الرئيس ميشال عون، طوى لبنان صفحة ترسيم الحدود الجنوبية البحرية مع إسرائيل، والتي فتحت نافذة على ما يسمى بعهد ما بعد الترسيم، مقابل تقدم إشكالية قديمة-جديدة وعنوانها: هل سيتمكن لبنان من إنجاز ترسيم الحدود البحرية وكذلك البرية مع سوريا؟

وبعيدًا عن الخلافات السياسية لتحريك عون ملف ترسيم الحدود مع سوريا، وإلغاء الأخيرة موعد استقبال موفد رئاسي لبناني للبحث في الملف، ثمة أسئلة كثيرة تتمحور حول قصة الحدود غير المرسمة بين البلدين، والتي لا بد أن تنطلق من معطى تاريخي مفاده: لا رغبة لدى دمشق بترسيم أي حدود مع بيروت، لأسباب كثيرة، وأساسها أن لبنان بنظر النظام السوري ولد على الخريطة كدولة مستقلة عن طريق الخطأ، بينما هو مجرد خاصرة له، وفي أحسن الأحوال، مقاطعة أو محافظة سورية.

وإذا كانت سوريا تعجز عن التعاطي مع هذه العقدة التاريخية علنًا، لكن ارتداداتها غير المباشرة قد تظهر جليًا، إذا ما وضع مستقبلًا ملف الترسيم على طاولة التفاوض بين البلدين، وبصورة ندية، تناقض تاريخ استعلاء النظام السوري على لبنان.

إشكالية الحدود البحرية
يربط باحثون قصة الحدود اللبنانية السورية، بحرًا وبرًا، بعهد الانتداب الفرنسي في البلدين (1920-1943)، أي ما قبل استقلالهما، حين كانا يخضعان كمنطقة انتدابية واحدة لسلطة المفوض السامي الفرنسي، الذي لم يحدد النقاط الحدودية الفاصلة، بظل وحدة جمركية واقتصادية ونقدية وسياسية بين البلدين.

وفي حديث “المدن” مع الباحثة والمستشارة في القانون الدولي لدى مؤسسة JUSTICIA الدكتورة ميّ حمود، تتطرق لهذا الملف، وهي سبق أن عملت على بحث مشترك لكتاب تحت عنوان “بترول لبنان في المياه البحرية-عقود وأنظمة” صدر في العام 2019. وتقول حمود إن الحدود بين لبنان وسوريا مرسمة وفق القرار 318 الصادر عن المفوض السامي الفرنسي هنري غورو في 31 آب 1920، الذي حدد نطاق دولة لبنان الكبير. وهي وتعتمد نقطة “سرير النهر” أي خط الوسط في مجرى النهر الكبير. وتنطلق منها الحدود البحرية وفقًا للقانون الدولي للبحار، وسوريا ليست عضوًا بالاتفاقية.

لكن تاريخيًا، بدا أن لدى سوريا مقاربة مختلفة، أدت لخلق منطقة متنازع عليها بحرًا، باعتمادها خطًا مستقيمًا، غير الخط الوسطي الذي اعتمده لبنان.

وهنا، توضح حمود أن التداخل حصل بالبلوك رقم “1” السوري، مع البلوكين “1” و”2″ اللبنانيين، وتتراوح المساحة المتداخلة بين لبنان وسوريا بين 750 و1000 كيلومتر مربع.

إشكالية “النقطة 7”
وعلى مدار حقبة ما بعد الاستقلال، وحتى ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية ووصاية النظام السوري على لبنان، لم تبادر سوريا جديًا لحل هذا الخلاف، كما لم يضغط لبنان بقوة لحسمه. واقتصرت بعض المحاولات على تشكيل لجان مشتركة لترسيم الحدود البرية، من دون الوصول إلى نتيجة أيضًا.

أما الخلاف الحدودي بالترسيم البحري شمالًا مع سوريا، فقط ظهر في 2011، مع إصدار الحكومة اللبنانية بعهد رئيسها الأسبق فؤاد السنيورة المرسوم رقم 6433، ورسّم بموجبه أحاديًا الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل والشمالية مع سوريا والغربية مع قبرص.

وحينها ظهر بالترسيم اللبناني إشكالية النقطة “7” شمالًا، توازيًا مع إشكالية النقطة “23” جنوبًا.

وتقول حمود أنه لم تتم الإضاءة من قبل أي من المعنيين اللبنانيين على إشكالية “النقطة 7” مع سوريا، حيث كان من المرجح اكتشاف أحد أكبر حقول النفط. بالمقابل، “قام السوريون بترسيم حدودهم البحرية بشكل آحادي بخلاف ما تنص عليه المادة (74) (حول تعيين الحدود الاقتصادية الحصرية بين الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة) من اتفاقية “مونتيغو باي”، وقاموا بترسيم مناطق الاستكشاف (Blocs) وأطلقوا دورة تراخيص، ولعل أهمها تلك المناطق تلك المجاورة للبنان أي البلوك “1”، وفق الباحثة.

وتردف: “عندما أعاد لبنان ترسيم حدوده البحرية، أضاف النقطة ” 7″ بينه وبين سوريا. وإذا تمت مقارنة الخريطة التي أرفقتها الدولة السورية مع إطلاقها دورة التراخيص، مع خرائط الدولة اللبنانية، نجد أن ثمة تداخلًا بمساحة كبيرة عند النقطة “7” بين الحدود البحرية للبلدين”.

الصمت اللبناني والاعتراض السوري
وتضع الباحثة اللوم على الدولة اللبنانية، وتعتبر أنها واجهت هذه المشكلة الحدودية، بصمت تام على مختلف مستوياتها السياسية والدبلوماسية، على الرغم من أنه كان جرى الاتفاق في العام 2010 للبدء بالقيام بأعمال ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين اللبنانية والسورية، وبررت الدولة السورية عملها هذا بأنه يقع ضمن حقها في استغلال ثرواتها الطبيعية الواقعة ضمن جرفها القاري.

ويُذكر أن سوريا بعد إصدار لبنان المرسوم 6433 الذي أعلن حدوده البحرية، وبسبب الاختلاف في طرق الترسيم، أودعت اعتراضها لدى الأمم المتحدة في عام 2014 على الموقف اللبناني وترسيم البلوكات “1” و”2″، لافتة إلى أن لبنان اعتمد في ترسيمه المعايير التي تقرها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، إلا أن سوريا لم تنضم إلى هذه الاتفاقية.

ومما جاء في نص الاعتراض السوري: “لا يجوز أن يتم الترسيم بين الدول المتجاورة أو المتقابلة بالإرادة المنفردة لإحدى الدول. والمرسوم اللبناني بصيغته المودعة عبارة عن تشريع داخلي صدر وفق القوانين الوطنية اللبنانية، وليس له أيه صيغة إلزامية خارج الحدود الوطنية اللبنانية، وبالتالي فهو غير ملزم للجمهورية العربية السورية”.  

وخلال الحرب السورية، نام الملف بالأدراج، على قاعدة اعتماد لبنان سياسة النأي بالنفس.

لكن ذروة الأزمة، التي يتحمل فيها لبنان جزء كبير من مسؤولية تخليه عن حقه، ظهرت في آذار 2021 حين وقعت سوريا عقداً مع روسيا عبر شركة “كابيتال”، بعد إبرامه في 2020، ومنح النظام السوري بموجبه الشركة الروسية حقًا حصريًا في التنقيب عن البترول في حقول متداخلة مع لبنان.

في البر أيضاً
توازيًا، يعتبر أنطوان سعد، الباحث والأستاذ في القانون الدولي، أن لبنان بإمكانه اللجوء إلى المحكمة الدولية لقانون البحار أو الذهاب للجنة تحكيم دولية “لأن النزاع ليس فقط بسبب سوريا، وإنما بسبب الشركة المنقبة أيضاً لكونها تدرك أنه لا يمكن أن تقترب من مساحة متنازع عليها”.

إضافة إلى البحر، بدا واضحًا أن السلطات اللبنانية تتجنب التطرق لملف الترسيم البرّي مع سوريا، وهو أشد تعقيدًا، ويدخل به المعطى الإسرائيلي بظل احتلال مزارع شبعا، ويجمع خبراء أن دمشق لم تتجاوب مع كل المطالب بتزويد خرائط تثبت لبنانية مزارعة شبعا، خصوصًا عقب عدوان إسرائيل على لبنان في 2006، وصدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي طالب بأحد بنوده تكليف خبير خطوط لترسيم الحدود مع هضبة الجولان السورية.

وتمتد الحدود البرية على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية، وصولًا إلى مزارع شبعا التي تطل على هضبة الجولان المحتلة من إسرائيل.

وهنا، يوضح أنطوان سعد أنه بين عامي 1920 و1923، جرى تحديد للحدود البرية اللبنانية، ووضعت آنذاك بعصبة الأمم المتحدة، ظهر فيها أن نحو ثلاثة أرباع مزارع شبعا لبنانية بسبب إثبات لبنان سندات الملكية للأراضي في شبعا.

ويقول لـ”المدن”: “تاريخيًا، حاولت سوريا أن تضع يدها على هذه المنطقة، ولم تفرض الدولة اللبنانية وجود سلطات أمنية فيها، بسبب إصرار النظام السوري أن هذه الأراضي له”.

ويضيف سعد: “إن العامل التاريخي هو ما يعيق الترسيم، لأن سوريا لا تعترف ضمنًا باستقلال لبنان عنها، وعدم تبعيته لها”.

Exit mobile version