News Press

سيف النّصاب ذو حدّين ويعطل المؤسّسات ويشلّها | 20-2-2023

أكرم حمدان- خاص “الأفضل نيوز”

تتناوبُ الأطرافُ والقوى السياسية اللبنانية والكتل النيابية التي تمثلها،عند كلِّ استحقاقٍ دستوريّ،على اللجوء إلى سلاح تعطيل النصاب من أجل فرض شروطها أو شراكتها في الاستحقاقات الدستورية،إن كان على صعيد انتخاب رئيس الجمهورية أو لجهة المشاركة في اجتماعات مجلسَي الوزراء والنواب.

 ويطرحُ سلاح تعطيل النصاب الذي يعتبره البعض من الأدوات المشروعة سياسياً في بلد يعتمدُ الديمقراطيةَ التوافقيةَ كلبنان، الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، خصوصاً عندما تستعملُ بعض القوى هذا السلاحَ بشكل متناقض وفقاً للمواقف والمصالح.

فهناك من دعا علناً، إلى اعتماد نصاب الأغلبية المطلقة (65 نائباً)، بدلاً من نصاب الثلثين (86 نائباً) لانتخاب الرئيس في الدورة الانتخابية الثانية،وهددَ بتعطيل النصاب إذا تمكّن خصومه من تأمين أغلبية 65 صوتاً لانتخاب رئيس من حلفائهم، وهكذا يكون تمسك ضمناً باعتماد نصاب الثلثين للانتخاب وللنصاب.

وربما نجدُ نفس السيناريوهات لدى الحديث عن تعطيل نصاب الجلسة التشريعية التي يتمُّ التداول بعقدها تحت عنوان “تشريع الضرورة” ما يعني أنَّ سلاح تعطيل النصاب سيفٌ بحدين للقوى السياسية والنيابية، ويؤدي إلى تعطيل وشلِّ المؤسسات الدستورية.

وفي السياق، يرى رئيسُ مؤسسة جوستيسية الحقوقية الدكتور بول مرقص في حديث خاصٍّ لـ”الأفضل نيوز” أنَّ “إشكاليةَ تفسير نصاب جلسة الانتخابات بالرغم من إستقرار الممارسة الدستورية على تفسير معين للمادة 49 من الدستور المتعلقة بعملية انتخاب رئيس الجمهورية، لا تزال تثير سجالاً سياسياً بامتياز قبل كلِّ استحقاق رئاسيّ”.

ويلفتُ مرقص إلى أنَّ نصَّ المادة 49، الفقرة الثانية، التي تقول:”يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السريِّ بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التـي تلـي”، تُطرح مسألتان: الأولى تتعلق بأغلبية التصويت majorité de vote والثانية نصاب جلسة الانتخابات quorum de présence ،حسمت المسألة الأولى بعد أن وافق معظمهم على أنَّ رئيس الجمهورية يجب انتخابه بغالبية ثلثي مجموع أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة للأعضاء في الدورات التالية”.

ويرى أنَّ “الإشكاليةَ تقع في التفسير المتعلق بالنصاب،فيؤكد البعض أنَّ النصابَ المطلوب لجلسة الانتخاب ليس ثلثي أعضاء المجلس كما يتبادر إلى الذهن عند تلاوة النصّ، فإنَّ كلمة “غالبية”الواردة في هذه المادة لا تتعلق بالنصاب، بل فقط بعدد الذين يقترعون فعلا في الجلسة، فيكفي ليكون الاجتماع قانونياً أن يضمَّ نصاب الجلسات العادية المنصوص عليه في المادة 34 من الدستور، أي الغالبية المطلقة من مجموع أعضاء النواب، أما البعض الآخر فتراه مصراً على أنَّ نصاب الثلثين هو المطلوب”.

وعن فلسفة النصاب، يؤكد مرقص على أن:”النصاب ليس حكراً على جلسات المجلس النيابيّ، فهو قاعدة عامة تحكم كيفية انعقاد الهيئات المعنوية من أشخاص القانون العام (مجلس نيابي، مجلس بلدي…) والقانون الخاص (الجمعيات والشركات ) ،ويدخل النصاب في إطار شكليات انعقاد الجلسة ولو كانت شكلية النصاب من المعاملات والصيغ الجوهرية في القانون (أي المهمة ولو كانت شكلية ).

ويضيف:”تكمن فلسفة النصاب في أنَّ واضعيه توخوا حكمةً أساسية وراءه ألا وهي عدم تفرُّد قلة قليلة من أعضاء الهيئة الناخبة- في حالات الانتخاب- بانعقاد الجلسات خوفاً من تعسف الأقلية Abus de minorité. إلا أنَّ القصد من ورائه، على السواء، ليس تحكم الأكثرية، أي أكثرية- في انعقاد أوعدم انعقاد الهيئة الناخبة هي الأخرى حتى لا ينقلب الأمر إلى تعسف الأكثرية Abus de majorité. وهذه قاعدة مقتبسة من القواعد العامة للشركات وتنسحب على سائر الهئيات والمجالس. والأمر عينه ينطبق على قاعدة “الأكثرية” المطلوبة للانتخاب”.

ودعا إلى “احترام “الغاية التي يستهدفها التشريع” أي المادة 49 من الدستور،وهي الانتخاب وليس عدم الانتخاب، فالنصاب ينطوي على تنظيم الانتخاب ولا يرمي إلى إعاقة الانتخاب وهو لذلك يحتمل التفسير الإيجابي الموسع لصالح إجراء الانتخاب والمشاركة، حيث إنَّ الإباحة (الانتخاب) في حقوق الإنسان هي المبدأ الأصل والقيد والمنع هما الاستثناء (عدم التئام النصاب)”.

ويُشير مرقص إلى “مساوئ استيراد نصٍّ قانونيّ،حيث إنَّ دستور الجمهورية الثالثة في فرنسا لم ينصَّ على أي نصاب لانتخاب رئيس الجمهورية وتاليًا تتآخى جذور المادة 49 مع جذور الدستور الفرنسي للجمهورية الثالثة، لذلك نرى أنَّ تضارب الآراء والمواقف لم يقتصر على رجال الفقه في لبنان بل تعداه إلى الفقه الفرنسي، فنجد الفقيهين جان كلود كوليار Jean Claude Colliard وبيار أفريل Pierre Avril يؤكدان على وجوب تأمين نصاب 86 نائباً في الدورة الأولى أما الفقيه Jean Gicquel فيشدد من جهة أخرى على ضرورة أن يكون النصاب هو نصاب الـ65 نائباً في الدورة الأولى، وهذه مساوئ استيراد نصٍّ قانونيٍّ لم يتمَّ تكييفه ليتوافق مع البيئة السياسية للبلد المستورد إليه”.

ويخلصُ مرقص إلى أنَّ “الحلَّ يكمن بتعديل دستوريٍّ بما أن الجميع موافق على اعتبار أنَّ انتخاب رئيس الجمهورية هو واجب وطنيٌّ وإلا فعلى غرار الدستور اليوناني يمكن أن نقضي بحلٍّ مجلس النواب في حال لم يتمَّ انتخاب الرئيس بعد ثلاث دورات متتالية أو كما في فرنسا في استحقاقات أقل شأناً من الاستحقاق الرئاسيّ، يفرض الدستور اقتطاعاً من مستحقات النواب المتخلفين عن حضور جلسات الجمعية العامة الفرنسية”.

وفي الخلاصة ،ثبت من خلال التجربة،أنَّ عدداً من النواب يستفيدون من غياب النصِّ الصريح في المادة 49 من الدستور اللبناني المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية،لاستخدام تعطيل”النصاب”كوسيلة للتعبير السياسي،ما أسفر عن تعطيل التئام المجلس وخلاء سدة الرئاسة، ويقوم البعض الآخر بممارسة نفس الوسيلة لتعطيل انعقاد مجلس النواب تحت عنوان “تشريع الضرورة” وهكذا يتساوى مستخدمو سلاح النصاب في شلِّ وتعطيل عمل المؤسسات الدستورية في البلاد.

Source
alafdalnews.com
Show More

Related Articles

Back to top button
Close