JUSTICIA Foundation

“رياض سلامة” على رادار الإنتربول.. هل يبقى؟ | 22-5-2023

تترقب الاوساط السياسية والرأي العام اللبناني ما سيخرج به اللقاء التشاوري في السرايا الحكومية المخصص للبحث بملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد صدور مذكرة توقيف دولية بحقه وتسلم لبنان من الإنتربول الدولي نسخة عن “النشرة الحمراء” التي تطلب توقيف الحاكم لصالح القضاء الفرنسي.
وبحسب مصادر مطّلعة فإنّ سلامة حاسم في بقائه في منصبه حتى آخر لحظة من ولايته الخامسة، أي حتى نهاية يوليو/ تموز المقبل. ونفت مصادر وزارية نفيا قاطعا أن يكون رئيس مجلس النواب نبيه بري قد طلب من سلامة الاستقالة والتنحي. وتضيف المصادر: “بغياب البدائل، سيبقى سلامة حتى نهاية يوليو/ تموز، على ان يتم البت بالخيارات المتاحة خلال الاسبوعين المقبلين”.
المسار القانوني
وعلى الرغم من محاولات عدة خلال السنوات الماضية، لم ينجح القضاء اللبناني في الوصول إلى نتائج حاسمة حول شبهات ودعاوى ترتبط بأداء حاكم مصرف لبنان، وإمكانية اختلاسه أموالا عامة بشكل مباشر أو عبر شركات ترتبط بأقرباء وأصدقاء له، في ظل حديث عن حماية سياسية معينة يتمتع بها حاكم المصرف المركزي.
وبهذا الخصوص، تحدث رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية، بول مرقص، في حديث لـ “جسور” عن المسار القانوني بعد مذكّرة التوقيف بحق سلامة، قائلا: القاضية الفرنسية اود بوروزي كان لديها خياران: إما تكرار الدعوة إلى جلسة الإستماع أو التشدّد كما فعلت مستندةً الى المادة 695-22 والمادة 131 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسية الذي يتيح لها إصدار مذكرة توقيف إذا كان المطلوب موجوداً خارج فرنسا وإذا كان الفعل من الجرائم الكبرى. وهي بما لديها من سلطة تقديرية ونظرا لتخلفه عن الحضور بعد تعذّر تبليغه على نحو غير مقنع، وربما أيضا لاعتبارها أنه عالم بحصول الجلسة، ذهبت إلى الخيار الثاني المتشدد.
فهل ستسلّم السلطات اللبنانية سلامة إلى القضاء الفرنسي بعد مذكرة التوقيف الفرنسية؟
 
يبيّن مرقص أن لبنان شأنه شأن العديد من الدول لا يسلّم مواطنيه، وفق المادة /20/ من قانون العقوبات التي تنص على ما يلي: “تطبق الشريعة اللبنانية على كل لبناني، فاعلا كان أو محرضاً أو متدخلاً، أقدم خارج الأرض اللبنانية، على ارتكاب جناية أو جنحة تعاقب عليها الشريعة اللبناني. ويبقى الامر كذلك ولو فقد المدعى عليه أو اكتسب الجنسية اللبنانية بعد ارتكاب الجناية أو الجنحة.” بالإضافة إلى ما نصّت عليه المادة /30/ من القانون عينه لجهة الاسترداد: ” لا يسلم أحد الى دولة أجنبية، فيما خلا الحالات التي نصت عليها احكام هذا القانون، إلا أن يكون ذلك تطبيقاً لمعاهدة لها قوة القانون.”
“المحاكمة في لبنان جائزة”
ويشرح مرقص أنّ مذكرة التوقيف لا تعني، حكماُ طلب الإسترداد الذي يحتاج الى إجراءات إضافية لم يتسلمها لبنان لتاريخه، والنيابة العامة اللبنانية هي من تقرّر التوقيف أو عدمه لاحقا لتسلم طلب الاسترداد وفقاُ لما نصّت عليه المادة /35/ من قانون العقوبات اللبناني التي جاء فيها: “يحال طلب الاسترداد على النائب العام التمييزي الذي يتولى التحقيق حول توفر أو عدم توفر الشروط القانونية وفي مدى ثبوت التهمة، ويمكنه أن يصدر مذكّرة توقيف بحق الشخص المطلوب استرداده بعد استجوابه ثم يحيل الملف الى وزير العدل مشفوعا بتقريره، يبت بطلب الاسترداد بمرسوم يتخذ بناء على اقتراح وزير العدل.”
وليس من إتفاقية قضائية خاصة بين الدولة اللبنانية والدولة الفرنسية تنصّ صراحةً على التسليم والاسترداد، ولكن ذلك لا يمنع، بحسب مرقص، القضاء اللبناني بل يلزمه أن يفتح تحقيقاُ بنفسه في الجرائم الموجّهة إلى أحد المطلوبين من دولة أجنبية كالجرائم الموجّهة إلى سلامة، وصولاُ إلى إتخاذ التدابير القضائية اللازمة ولكن على الأقل داخل الإقليم اللبناني ووفق الشريعة اللبنانية.
وعليه، فإن المحاكمة في لبنان تبقى جائزة، كما يمكن لوكلاء الدفاع عن الحاكم طلب وقف التحقيق الفرنسي لعدم المحاكمة بالجريمة نفسها امام مرجعين قضائيين. ويمكن للقضاء اللبناني لا بل يجب عليه طلب الإطلاع على الملف من القضاء الفرنسي، يؤكد مرقص، مضيفاُ: الحاكم غير مدّعى عليه لغاية تاريخه لكنه يتحوّل إلى متهم إذا لم يضبط بمقتضى مذكّرة التوقيف وفق المادة 134 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسي.
ماذا عن انتهاء ولاية سلامة؟
ومع ذلك، فإنّ استمرارية سلامة مثل استبعاده، تطرح إشكاليات ومشاكل يصعب تجاوزها في الوضع الحالي. وإذا كان بقاء سلامة سيزيد الشكوك في احتمال وقف تعاون المؤسسات المالية الدولية مع مصرف لبنان، طالما ان الأخير هو من يوقّع الاوراق والمستندات التابعة للمصرف، فإنّ ازاحته قد تؤدي الى ما يشبه الفراغ القاتل في سدة الحاكمية. وهنا يرى رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية أنّ المادة /25/ من قانون النقد والتسليف نصّت على أنه: “يتولّى نائب الحاكم الأول مهامّ الحاكم ريثما يعيّن حاكم جديد”. كما تنصّ المادة /27/ من القانون عينه على أنه: “بحال غياب الحاكم او تعذر وجوده يحل محله نائب الحاكم الاول وبحال التعذر على الاول فنائب الحاكم الثاني وذلك وفقا للشروط التي يحددها الحاكم. وبإمكان الحاكم ان يفوض مجمل صلاحياته الى من حل محله.”أي أنه عند إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، يتولى النائب الأول للحاكم بالوكالة مهامه إلى حين تعيين بديل عن الحاكم.
وفي ظلّ وجود حكومة تصريف اعمال، هناك عقبة، وفق مرقص تكمن في مدى إمكانية اعتبار عملية تعيين حاكم للمصرف المركزي بمرسوم حكومي وبناءً على اقتراح وزير المالية من الأعمال التي تدخل ضمن نطاق صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، أو حتى تعيين الحاكم الحالي لولاية جديدة.
ففي هذا السياق نصّت المادة /64/ من الدستور اللبناني على أنه: “لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال”. وقد جاء في القرار الشهير الصادر عن مجلس شورى الدولة رقم /614/ لعام 1969 أنه في عداد الأعمال العادية التي يعود للحكومة المستقيلة اتخاذها، كما أنّ نطاق تصريف الأعمال يحدِّده القضاء الإداري، ويتحقق ما إذا كانت أعمالاً عادية يجوز اتخاذها أو أعمالاً تخرج عن نطاق تصريف الأعمال. وهذا الرأي الصادر عن مجلس شورى الدولة جاء قبل التعديلات الدستورية عام 1990، والتي ضيّقت المعنى لتصريف الأعمال.
ورغم ذلك تبقى عملية تعيين الحاكم في هذه الظروف المالية العصيبة ضرورية جداً، يقول مرقص، لكن هناك إشكالية عملية تكمن في أن الحاكم الجديد قد لا تكون لديه الخبرة والمعرفة الكافية لتحملّ عبء تولّي هذا المنصب الحسّاس في هذا الظرف الاستثنائي.
Exit mobile version