News Press

رفع الدولار الجمركي في لبنان.. تصحيح خلل أم خطأ كبير؟ | 31 أغسطس 2022

الدولار الجمركي.. معضلة لبنانية
الدولار الجمركي.. معضلة لبنانية

تحاول الحكومة اللبنانية جاهدةً، أن تجد سبيلاً يرفع من واردات خزينتها، بعد الانهيار المالي الكبير الذي أصاب البلاد وضرب القيمة السوقية لليرة اللبنانية، التي تصرف عبرها الحكومة رواتب موظفيها وتغطي منها نفقاتها المتزايدة، وذلك من أجل تقليص قيمة العجز الواقع في الموازنات الحكومية، الذي يمثل شرطاً أساسياً من شروط صندوق النقد الدولي، لمساعدة لبنان على النهوض من أزمته.

إلا أن المسار الحكومي المتبع في هذا السياق، والقرارات المرجح اتخاذها لتلك الغاية، من شأنها أن تتحول إلى كابوس يزيد من معاناة اللبنانيين وتضخم الأسعار في أسواقهم، فضلاً عن تهديدها لقطاعات كاملة بالإفلاس والإغلاق الشامل، إذا ما لم تقترن الخطوات الحكومية المتخذة، بدراسات واضحة لأثرها وانعكاساتها على الواقع الاقتصادي المتأزم في البلاد.

تصحيح الخلل.. تحت الضغط

ومنذ العام 2019، انتهجت السياسات المالية المعتمدة في لبنان بعد الانهيار، درب المكابرة والإنكار، لناحية الاعتراف الرسمي بالانهيار الكبير لقيمة الليرة اللبنانية، إذ بقي سعر الصرف الرسمي المعلن من ناحية السلطات اللبنانية يساوي 1500 ليرة للدولار الواحد، وهو الرقم المثبت منذ ما قبل وقوع الأزمة الاقتصادية بسنوات، وذلك عوضاً عن مجاراة السوق وسعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، الذي يصل اليوم إلى عتبة الـ 34 ألف ليرة للدولار الواحد.

الإبقاء على السعر الرسمي لصرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، فرض في المقابل على السلطات اللبنانية، تقاضي الرسوم والضرائب طيلة المرحلة الماضية على أساس سعر الصرف الرسمي المعلن (1500 ل. ل)، وهو ما أدى خلال 3 سنوات إلى خسائر هائلة في خزينة الدولة، بلغت معها شفير الإفلاس وباتت عاجزة عن تغطية نفقاتها.

وتسعى الحكومة اللبنانية لتقويم هذا الخلل الضريبي، من خلال زيادة ما يسمى بـ “الدولار الجمركي”، وهو عبارة عن الرسوم المفروضة على السلع والبضائع المستوردة، التي تحتسب وفقاً لقيمة المستوردات والعملة المعتمدة في فاتورة استيرادها، ومعظمها بالدولار الأميركي، حيث تسعى لرفع قيمة الدولار الجمركي المستوفى، من 1500 ليرة لبنانية إلى نحو 20 ألف ليرة للدولار، أي نحو 13 ضعفاً عما هو مستوفى اليوم.

وهذه الخطوة جاءت تحت ضغط إضراب موظفي القطاع العام في لبنان عن العمل، القائم منذ أشهر عدة، للمطالبة برفع أجورهم التي باتت رمزية، بعدما أدى تآكل قيمة رواتبهم المصروفة بالليرة، إلى عجزهم حتى عن تحمل تكاليف التنقل من وإلى عملهم، فضلاً عن تكاليف المعيشة التي بلغت ارتفاعات قياسية في لبنان خلال المرحلة الماضية.

ومن أجل دفع الموظفين للعودة عن إضرابهم، وعدت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، التي يرأسها نجيب ميقاتي، برفع أجور القطاع العام وتخصيص مساعدات مالية لهم، والتزمت بهذا القرار دون أن تكون قد أمنت الموارد اللازمة لتلك الزيادات، الأمر الذي وضع الحكومة في حالة بحث عن سبل وموارد مالية جديدة.

“لهذا الوعد له كلفة اقتصادية على خزينة الدولة” بحسب ما يقول الخبير الاقتصادي منير يونس، مشيراً إلى أن الكلفة تقارب الـ13 مليار ليرة، مضيفاً “وبما ان الموازنة التي اقرها وزير المالي يوسف خليل قد اعتمدت سعر صرف 20 ألف ليرة، يجب أن يكون الدولار الجمركي وبقية الرسوم والضرائب على حساب 20 ألف ليرة للدولار، وذلك لمقابلة الإنفاق على موظفي القطاع العام بالإيرادات المناسبة.”

إلا أن الملف دخل فيما بعد بالمتاهات السياسية، بحسب يونس، “لكون بعض الجهات تعتبر أن رفع قيمة الدولار الجمركي سيؤدي إلى تضخم في الأسعار.”

محاولة تمرير

وفي وقت يسجل لبنان أعلى مستويات للتضخم في أسعار السلع والمواد الغذائية في العالم، وفق تقارير البنك الدولي، فضلاً عن ارتفاعات قياسية في التكاليف المعيشية وأسعار الخدمات، فيما 80 في المئة من شعبه يعيشون فقرا متعدد الأبعاد، من شأن أي زيادات على الضرائب والرسوم ان تنعكس سلباً على مجمل السوق اللبنانية، والقدرة الشرائية لسكان الذين سيتحملون كلفتها من جيوبهم.

وانطلاقاً من هذا، شدد الخبراء وطالبت القطاعات الإنتاجية في لبنان، بخطة نهوض اقتصادية شاملة من قبل الحكومة، يندرج ضمنها رفع قيمة الدولار الجمركي، تفادياً للانعكاسات السلبية التي قد تنتج عن رفع الرسوم الجمركية بشكل منفصل عن الحل المتكامل، وهو ما حاولت رئاسة الحكومة اللبنانية تمريره في السابع عشر من أغسطس الفائت، من خلال كتاب موجه من رئيس الحكومة إلى