News Press

الصراع على الصلاحيات و”تمييع” الإصلاحات لغمان قد يفجّران الاتفاق | الأربعاء 02 نوفمبر 2022

صندوق النقد ينتظر عودة انتظام الدولة رئاسياً وحكومياً…

الصراع على الصلاحيات و”تمييع” الإصلاحات لغمان قد يفجّران الاتفاق

“النهار”- سلوى بعلبكي

يطرح انتهاء ولاية رئيس الجمهورية أسئلة عدة حول مآل ومصير الكثير من الامور في السياسة والقضاء والاقتصاد، لكن الملحّ والمطلوب هو جواب من المعنيين حول الوضعية الحالية لمسار العلاقة بين لبنان وصندوق النقد الدولي.

3 أعوام تقريبا، واللبنانيون يتابعون بأمل مرير انتهاء التفاوض مع أكبر مرجعية تمويلية أممية تتيح للبلاد فرصة جديدة في اعادة بناء مسارات النمو والخروج من المأزق واعادة هيكلة الاقتصاد بقطاعاته كافة، خصوصا أن لبنان أضاع الكثير من الوقت في استثمار العطف والحماسة الدوليين لمساعدته على النهوض من كبوته، وأضاع المسؤولون بمناكفاتهم والعرقلة المتبادلة فرصة الاتفاق في ما بينهم على خطاب واحد وموحد وبيان علمي وخطة منهجية للتفاهم عبرها مع صندوق النقد الدولي. والأنكى هو تجاهل المطالب الاصلاحية التي تصر عليها المؤسسات الدولية، وكأن غرباء البلد أكثر حرصا عليه من مسؤوليه. وما البيان الذي أصدرته بعثة صندوق النقد في آخر زيارة لها والذي كان يفيض بالانتقادات حيال البطء في تنفيذ الإجراءات المتفق عليها، إلا دليل على الاهمال “المتعمد” للشروع بالاصلاحات. ويضاف الى بيان صندوق النقد، تصريح نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج الذي نعى تمويل البنك للكهرباء بسبب غياب الاصلاحات في القطاع، وهذا دليل آخر على “استلشاق” المعنيين بتحمل مسؤولياتهم تجاه خطط الانقاذ.

سؤال آخر يطرح نفسه حول دستورية توقيع الاتفاق مع صندوق النقد. فالشغور أحال صلاحيات الرئيس على الحكومة مجتمعة، فيما الحكومة في مرحلة تصريف أعمال، فهل ستكون البلاد أمام معضلة دستورية في حال حصول أي تقدم مع الصندوق حيث سيمتنع أو يُمنع الرئيس نجيب ميقاتي من التوقيع تداركا لأزمة تبدأ دستورية، وتنتهي طائفية مذهبية غير مستبعد حصولها في ظل التشنجات والاستفزازات المتبادلة بين فريق الرئيس السابق ورئيس الحكومة وداعميه؟ وهل سيتمكن الرئيس ميقاتي ومعه نائبه سعادة الشامي من الشروع بتوقيع اي اتفاق مع صندوق النقد فيما يؤكد معنيون أن الدستور يحصر توقيع الاتفاقات الدولية برئيس الجمهورية؟

يؤكد الشامي لـ”النهار” ان “ثمة أمورا تتعلق بشروط الاجراءات المسبقة مع صندوق النقد لا يزال في الامكان إنجازها في مجلس النواب ومصرف لبنان. وفي حال أنجزت يمكن اطلاع صندوق النقد عليها ومن بعدها يمكن لمجلس النواب اقرارها، ولكن كل ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية في هذا الصدد فأترك للخبراء الدستوريين البت فيها”. وإذ لفت الى أن لبنان “أنجز الكثير من الاصلاحات المطلوبة منه وتم اقرارها في مجلس الوزراء وخصوصا حيال سياسة الدين العام وخطة الاصلاح المالي وخطة الكهرباء”، أشار الى أن “ثمة اجراءات منتظرة من مصرف لبنان، اضافة الى قانونين ينتظر اقرارهما في مجلس النواب”.

واذا كان الجدل لا يزال قائما في شأن إمكان أن تناط صلاحيات الرئاسة بحكومة تصريف أعمال، يحسم رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص الجدل حيال صلاحيات حكومة الرئيس ميقاتي القيام بتوقيع اي اتفاق مع الخارج وتحديدا الاتفاق مع صندوق النقد… فحكومة تصريف الاعمال تصرف الاعمال بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال بحسب المادة 64 من الدستور، فكيف بالحري اذا كان التصريف يترافق مع شغور رئاسي يزيد الازمة الدستورية تعقيدا. وتاليا يؤكد مرقص أنه “لا يجوز توقيع الاتفاق مطلقا من دون وجودٍ لرئيس الجمهورية، وهذه الصلاحية مكرسة للرئيس بمقتضى المادة 52 ولا تنتقل الى مجلس الوزراء وكالة بمقتضى المادة 62 التي سمحت بتسلم مهام الرئيس وكالةً”. وعما اذا كانت المهلة مفتوحة لتوقيع الاتفاق مع الصندوق، يقول مرقص: “ليس هناك مهلة محددة يعطيها صندوق النقد الذي يتطلع الى اجراءات وتقدم في الاصلاحات، والتي على أساسها يقدم مشروع الاتفاق النهائي الى مجلس ادارة الصندوق”.

هل المهلة مفتوحة مع صندوق النقد؟
في 7 نيسان الماضي وقّع لبنان اتفاقا مبدئيا مع صندوق النقد يتضمن برنامجا اصلاحيا و9 اجراءات مسبقة على السلطات اللبنانية تطبيقها قبل أن يوقع المجلس التنفيذي لصندوق النقد على برنامج التعافي الاقتصادي بصيغته النهائية للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار.

وفي هذا الاطار، يؤكد الخبير الاقتصادي نسيب غبريل أن “كل الإجراءات المطلوبة من الصندوق مهمة وتؤثر على كل جوانب الاقتصاد اللبناني من توحيد أسعار الصرف إلى إعادة هيكلة المصارف، وإعادة جدولة الدين العام”، منتقدا “التلكؤ والبطء” الذي يرجعه الى “الأولويات السياسية التي طغت على الإصلاحات، فتم تأجيل الإصلاحات إلى ما بعد الإنتخابات النيابية”. وقال: “بدل أن تبدأ السلطات بتطبيق الإصلاحات في 8 نيسان قرروا الإنتظار إلى ما بعد الإنتخابات النيابية، وبعد اسبوع على الانتخابات، بدأ الحديث عن الإنتخابات الرئاسية بدل التعجيل بتطبيق الإجراءات المسبقة. وتاليا دخلنا في شغور رئاسي لا أحد يعرف مدته، توازيا مع حكومة تصريف أعمال. وهنا يبرز الجدل حول ما يمكن أن يحصل، أو ما يمكن على السلطات أن تطبق من إصلاحات اليوم في ظل هذا الفراغ”.

وبغضّ النظر عن التفاوت في الآراء القانونية حيال امكان قيام حكومة تصريف الأعمال بصلاحيات رئاسة الجمهورية، أو إمكان مجلس النواب الاستمرار في التشريع بالرغم من الشغور الرئاسي، يلفت غبريل إلى أن “العملية الإصلاحية كانت أصلا بطيئة وصعبة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وعندما كانت الحكومة تتمتع بكل صلاحياتها، فكيف الحال اليوم في ظل الشغور الرئاسي وحكومة تصريف أعمال؟”.

ثمة أسئلة يطرحها القطاع الخاص وينظر إليها أصدقاء لبنان من الخارج بريبة، وفق ما يشير غبريل، والتي برأيه لا تزال بلا أجوبة، ومنها على سبيل المثال “هل تستطيع حكومة تصريف الأعمال العمل على الإصلاحات، وهي حكومة تصريف أعمال فقط؟ وإذا وصلت الإصلاحات والقوانين إلى مجلس النواب وأقرها بدوره، فهل ستدخل حيز التنفيذ في ظل الشغور الرئاسي؟ وهل يمكن الطعن بها بسبب هذا الشغور؟”.

ويستند غبريل الى بيان بعثة الصندوق الاخير، ليشير الى أن “لبنان بطيء جدا بتطبيق الإصلاحات المطلوبة منه”، بما يعني أنها “طريقة ديبلوماسية للقول أين الإهتمام بالإصلاحات وأين أولويتها عند السلطات اللبنانية؟”. ويضيف: “ثمة علامات استفهام عن هذه الإجراءات الأولية لهذا الإتفاق، وتحديدا على برنامج التعافي الإقتصادي، وموضوع اعادة توازن النظام المالي في البلاد، ونظرية الخسائر التي هي ديون متوجبة على الدولة”، مشيرا الى أن “مشروع قانون اعادة هيكلة المصارف لم ينجز بعد، او على الأقل لم تطلع عليه الحكومة ولم يحوّل إلى مجلس النواب بعد. فأين نحن من الأجوبة على كل هذه الأسئلة؟”.

صحيح أن صندوق النقد يتفهم الوضع في لبنان، ولكن “ليس إلى ما لا نهاية”، إذ يؤكد غبريل أن “ثمة نوعا من الملل حيال التباطؤ بتطبيق الإصلاحات والتعثر والمعوقات التي توضع”، منبها الى أن “وضع صندوق النقد في 7 نيسان لا يشبه اليوم. فالمفاوضات مع لبنان بدأت قبل اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، أما اليوم فقد اختلف الوضع ودول عدة بدأت تفاوض الصندوق على قروض لتحل مشاكلها المحلية التي تفاقمت بسبب الأزمة العالمية وتباطؤ الإقتصاد وارتفاع كلفة الولوج إلى الأسواق المالية العالمية وصعوبتها وارتفاع أسعار النفط واسعار المواد الأولية من حبوب ومعادن وغيرها وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملات الأساسية العالمية”.

وإذ أشار الى أن “هنالك مشاكل اقتصادية عالمية يركز الصندوق على معالجتها، وخصوصا تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا على الاقتصاد العالمي وموضوع ارتفاع الفوائد لمحاربة التضخم، والاحتمال الكبير أن تدخل اوروبا في ركود اقتصادي السنة المقبلة واستمرار التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة… ثمة موضوعات واهتمامات كبرى على طاولة صندوق النقد، وتاليا إذا لم تظهر السلطات اللبنانية الجدية ونوعا من الاستعجال لتطبيق الإصلاحات، فإن الاتفاق لن يبقى قائما إلى ما لا نهاية مع الصندوق”.

ويضع غبريل فترة ستة أشهر كحد اقصى للبنان للقيام بالاصلاحات، فإذا لم تقدِم السلطات على تطبيق الإجراءات المسبقة والإتفاق على الأولويات، فإن الاتفاق لن يستمر الى ما لا نهاية، أضف الى ذلك ان الشغور الرئاسي يزيد من ضبابية الوضع.

Show More

Related Articles

Back to top button
Close