لمركزية– مع سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، برزت إلى الواجهة مطالبة البعض بإلغاء المعاهدات الموقّعة بين لبنان وسوريا، إضافةً إلى الدعوة إلى إلغاء المجلس الأعلى اللبناني – السوري الذي تم إنشاؤه بموجب “معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق” بين البلدين بتاريخ 22 أيار 1991.
هل يمكن للدولة اللبنانية من الناحية القانونية، الانسحاب من الاتفاقيات المُبرَمة بين البلدين وإلغاء هذا المجلس؟
رئيس “مؤسسة جوستيسيا” العميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ الدكتور بول مرقص يشرح لـ”المركزية” أن “هذه الاتفاقيات المعروفة بـ”اتفاقيات التعاون والأخوّة والتنسيق”، ستبقى قائمة على رغم تغيير النظام الحاكِم في سوريا، انطلاقاً من مبدأ “الحكم استمرارية”… كما أن الاتفاقات مُبرَمة وموقَّعة بين البلدين أصولاً، بصرف النظر عن مضمونها”.
ويُسهِب في القول: من الناحية القانونية، تحكم العلاقات بين الدول مبادئ القانون الدولي، وخصوصاً في ما يتعلق بالاتفاقيات الدولية. وفقًا لمبدأ استمرارية الدولة، فإن التغييرات التي تطرأ على الحكومة أو النظام السياسي لا تؤثر على الالتزامات الدولية للدولة. وبالتالي، تظل الاتفاقيات الموقّعة بين لبنان وسوريا قبل سقوط النظام نافذة وسارية المفعول، ما لم يتم الاتفاق الاتفاق على عكسه بين الطرفين.
ويُشير إلى أن “الخيار المتاح أمام لبنان وسوريا بعد سقوط النظام، هو التفاوض حول إعادة النظر في بعض الاتفاقيات أو استبدالها بأخرى جديدة. مع الإشارة إلى أن أي تعديل أو إلغاء لهذه الاتفاقيات يتطلب موافقة متبادلة من الطرفين، ويُفضَّل أن يتم ذلك عبر القنوات الديبلوماسية لتجنّب أي توترات قد تستجِد بين الجانبَين”.
إلا أن آليات تغييرها أو تعديلها أو الرجوع عنها، بحسب مرقص “موجودة في أمانة سرّ اجتماع الهيئات الرسمية في البلدين، لجهة إدخال أي تعديلات على الاتفاقات المنوَّه عنها، وصولاً إلى إمكانية إلغائها كلها أو إلغاء بعضها أو إعادة النظر كلياً في المجلس الأعلى اللبناني – السوري الذي أُنشئ نتيجة هذه الاتفاقيات… وبالتالي تبقى الأخيرة قائمة إلى حين تعديلها أصولاً في البلدين وفق قاعدة “توازي الأشكال والصِيَغ” أي كما أن إبرام هذه الاتفاقيات احتاج إلى قانون صدر عن مجلس النواب، كذلك يجب أن يُصار إلى إصدار قانون ينصّ على إدخال أي تعديل عليها، أو إلغائها”.
معوقات مُستجِدّة؟
وعما إذا كان الواقع الأمني والسياسي الراهن في سوريا، قد يُعيق تطبيق اتفاقيات التبادل التجاري والصناعي بينها وبين لبنان، يوضح مرقص أن تطبيقها “لن يتأثّر بشكل جذري، وذلك للأسباب الآتية:
1- لأنها أساساً غير مطبَّقة بالكامل بل جزئياً أو أنها شبه معلَّقة إذا صحّ القول بسبب بعض التحفظات عليها من النواحي التطبيقية والعملية.
2- لم يحصل أي تعديل عليها أو إلغاءها من قِبَل مجلس النواب، حتى اللحظة”.
ولم يغفل الإشارة إلى أن “الوضع الراهن في سوريا سيزيد بالطبع “الطين بلّة” على تطبيق تلك الاتفاقيات، لكنه لن يُطيح بها لأن إلغاءها يحتاج إلى قانون يصدر عن مجلس النواب كما ذكرنا آنفاً”.
مصير المجلس الأعلى!
أما عن مصير المجلس الأعلى اللبناني – السوري، فاستشهد مرقص بكلام الأمين العام للمجلس نصري خوري يعود إلى تشرين الثاني 2020 عند سؤاله عن إمكانية إلغاء المجلس، إذ أجاب حينها بأنه “لا يمكن أبداً إلغاء المجلس من جانب واحد، كونه لم يُشكَّل بقرار لبناني، إنما بموجب معاهدة دولية مُقرّة ومُبرمة رسمياً ومسجَّلة في الأمم المتحدة. فالإلغاء يحتاج الى رغبة مزدوجة في الإلغاء”.
في السياق، يُلفت مرقص إلى أن “هذا المجلس كان مثابة باكورة سلسلة معاهدات ثنائية بين البلدين، لذلك فإن إلغاءه سيؤدي تباعاً إلى إلغاء العديد من الاتفاقيات المتصلة به”.
ويختم مرقص: حبذا لو كان بالإمكان لدولة واحدة الرجوع عن المعاهدات المُبرمة بين لبنان وسوريا، إلا أن الشروط الواردة في بعض مواد اتفاقية فيينا تحدّ من هذه الإمكانية. إذ استنادًا إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، هناك شروط محددة يجب استيفاؤها لتتمكن الدولة من الانسحاب بشكل أحادي من اتفاقية ثنائية. وتوضح هذه الشروط المادتين 54 و56 من الاتفاقية، التي أصبحت سوريا طرفًا فيها منذ عام 1970. وتشترط المادة 54 المتعلقة بانقضاء المعاهدة أو الانسحاب منها بموجب نصوصها أو برضا أطرافها ضرورة إتباع نصوص المعاهدة أو توفر رضا جميع أطرافها بعد التشاور مع الدول المتعاقدة الأخرى. أما المادة 56، المختصة بالمعاهدات التي لا تتضمن نصوصًا تنظم الانقضاء أو النقض أو الانسحاب، فتنص على عدم إمكانية النقض أو الانسحاب إلا إذا: “(أ) ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت نحو إقرار إمكانية النقض أو الإنسحاب” أو “(ب) إذا كان حق النقض أو الإنسحاب مفهوماً ضمناً من طبيعة المعاهدة”…لكن في الحالة الراهنة، لا يبدو أن هذه الشروط قد تم استيفاؤها بما يسمح للبنان بالانسحاب بشكل أحادي من المعاهدات المُبرمة مع سوريا.