يعيش العالم اليوم مترقباً حسابات منصات الحفر التي تتوزع على مختلف قارات العالم والتي تؤشر بتوزعها إلى صراعات بحثاً عن الثروات.
وتدار هذه العملية من قبل كارتيل عميق للشركات المنقبة والمستخرجة والتي ترتبط بشكل وثيق بكل مفاعيل النظام العالمي، تجارياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً.
مؤخراً أظهرت بيانات شركة “بيكر هيوز” انخفاض عدد منصات التنقيب عن النفط على مستوى العالم أجمع بمقدار 71 منصة، لتصل إلى 1808 منصات في نيسان الماضي، بعدما كانت 1879 منصة خلال آذار من هذا العام.
كما كشف تقرير شركة الخدمات النفطية ارتفاع عدد منصات التنقيب في الشرق الأوسط بمقدار 14 منصة إلى 337 منصة خلال نيسان على أساس شهري، أما مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، فارتفع العدد بمقدار 37 منصة.
وارتفع عدد منصات التنقيب عن النفط والغاز حول العالم -باستثناء اميركا وكندا- بمقدار 17 منصة إلى 947 منصة على أساس شهري خلال نيسان .
في قراءة سريعة لما أعلنته شركة بيكر هيوز يتبين بحسب الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة لـ”لبنان24″، أن عمليات التنقيب والبحث بدأت تتركز على منطقة الشرق الأوسط في مقابل تراجعها في مناطق أخرى من العالم وهذا يؤشر لواقع أن منطقة الشرق الأوسط تحتضن كميات لا بأس بها من المخزون النفطي الذي يشكل حلا مؤقتا وللمدى المتوسط للعالم.
ومن المعروف أن منصات الحفر سابقاً كانت تتوزع على مناطق العالم التي تحتوي النفط الثقيل والتي استهلك منها مليارات الأطنان خلال العقد الماضي وتركت أثرا كبيرا على المناخ والطبيعة وتسببت بما يسمى الإحتباس الحراري وتغير المناخ والتصحر وربما قد يصل الأمر الى تعديل في توازن القطبين . فهذه العملية، بحسب علامة، دفعت بالدول الصناعية الكبرى ومن خلفها شركات استخراج النفط الى البحث عن بدائل أفضل، وقد تبين أن الغاز الطبيعي هو البديل الأكثر تناسباً والأقل تكلفة”. ففي ملاحظة سريعة يتبين أن منطقة الشرق الأوسط إضافة الى المنطقة العربية وبعض أطراف السواحل في البحر الأبيض المتوسط هي الأكثر إختزاناً لهذا المصدر من الطاقة الأهم في العالم في الوقت الراهن رغم كل ما حكي عن سوق للطاقة البديلة وللمصادر الطبيعية الملاءمة للطبيعة.
ويبدو أن العالم يتجه، وفق علامة، من الآن وصاعداً بإتجاه استخراج موارد الأرض من الغاز الطبيعي وقد يكون استخراج هذا المخزون حلاً لكثير من الدول التي تفتقد هذا النوع ولكنها تمتلك السيطرة على الكارتيل من الشركات المنقبة والمستكشفة والمستخرجة في انعكاس طبيعي لحالة التحكم التي تمارس على موارد الأرض ومخزوناتها.
ولا شك ان لبنان بات تحت نيران هذا الكارتيل الذي يسعى، بحسب علامة، الى البحث عما يكتنزه بحر لبنان من طاقة وموارد، والأكيد أنه لم يكن ممكناً الوصول الى ما وصلت إليه الأمور لولا أن الدول الراعية قد رتبت إتفاقات غير معلنة ترسي الأمان والإستقرار على عملية التنقيب والإستخراج.
أما وقد بدأ الحفر في البلوك رقم 9 وتحديداً في حقل قانا فإنه قريباً سوف ينتقل التنقيب الى البلوك رقم 4 وبعده الى كل البلوكات البحرية لإرضاء كل الأفرقاء في لبنان كما يقول علامة، علما ان وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض أعلن أن عملية الحفر ستصل إلى عمق 1700م والنتائج الأولية سوف تتظهر بعد 67 يوماً خاصة وان اهتمام الشركاء يشي أنّ نتائج التنقيب ستكون إيجابية. واعتبر أن “البلوك رقم 8 تحرّر وبات بالإمكان مسحه”، مؤكدا بأننا “سنستفيد من الغاز إذا وجد انطلاقاً من العام المقبل”.
الاستاذ الاقتصاد الجامعي الدكتور محمد موسى يقول “لبنان24”: قبل كل شي وقبل الاكتشاف وقبل الصندوق السيادي وتوزيعاته لا بد من الإشارة إلى حوكمة القطاع والاقتباس من تجربة الكويت والسعودية وقطر والنروج، لأنه بلا شفافية ومن دون ادارة رشيدة، سيقع لبنان في مطبات كبرى على غرار ما جرى في القطاع المالي والمصرفي.
ولا شك أن لبنان أمام بلوكات واعدة، فالحقول بعيدة فقط عن الحدود اللبنانية 6 كلم، وبعيدة عن اكتشاف كاريش نحو 4 كلم أي أنها بعيدة نحو 10 كلم عن أقرب اكتشاف في فلسطين المحتلة. ويضيف موسى: لقد تأكد جيولوجيا” أن هناك تشابها في هذه المنطقة مع المنطقة المقابلة، بانتظار أن يتم تثبيت ذلك حيث سيتم معرفة ما إذا كان هذا التشابه تاماً أم ثمة اختلافات لم تظهر من خلال المسوحات الزلزالية. ونظرا إلى أهمية الاكتشاف لا بد من دراسة طبيعة تكوين الغاز الطبيعي في حد ذاته وعدم استخراج الغاز المصاحب أو عدم التمكن من استخراجه من دون بترول، فمن المحتمل ان تكون البلوكات مرتبطة جيولوجيا” تحت الأرض.
وبالانتظار فإن توتال بدأت مسوحاتها الزلزالية الثنائية الابعاد في البلوك 8 وهو بمساحة 1400 كلم كذلك بدأت الحفر والاستكشاف في البلوك 9 وهو بمساحة 17 42 كلم، كذلك البلوك 10 الذي يشكل احدى ركائز جولة الترخيص المقبلة (نجمها في حال ما تأكد وجود ثروة هيدروكربونية على ما اعتقد) وهو بمساحة 1400 كلم. وللتذكير تمر مرحلة الاستكشاف والتطوير بالمراحل الآتية: الاكتشاف، التقييم، التطوير، الإنتاج، نهاية الإنتاج. المرحلة الأولى تستغرق شهرين الى ثلاثة شهور بحدّها الأقصى، وببساطة العمليات التشغيلية تشمل منصة الحفر والموارد البشرية لنحو 140 شخص لهذه المرحلة، كما كل الأمور اللوجستية والتقنية باتت جاهزة.
ويتحمّل الكونسرتيوم، بحسب موسى، تكلفة هذه المرحلة بغضّ النظر عن طبيعة النتائج إيجابية كانت أو سلبية، ومن ثم الانتقال الى مرحلة تطوير البئر التي تستغرق نحو 3 سنوات قبل الوصول الى مرحلة الإنتاج التي ستستفيد منها السوق المحلية ومنها قطاع الكهرباء خصوصاً إن حُوّلت المعامل إلى الغاز وهي الهدف الأول (السوق المحلية).
ان امكانيات الحفر في البلوك رقم 9 قد تصل الى 3 آبار، ولكن هذا الأمر يعتمد على نتائج الحفر بعكس ما جرى مع البلوك 4 ! مع اشارة موسى، الى أن نسب النجاح في أي بلوك في العالم تصل الى 20% فقط عند حفر البئر الأول، ولكن هذا لا يعني أن النتائج سلبية أبداً. ولكن المقاول ينتقل الى حفر آبار أخرى ذات نتائج أعلى بناءً على معطيات البئر الاستكشافي الأول.
وعليه، فإن التوقعات تشير ، وفق موسى، الى أن الحفر في البلوك 9 سيكون أكثر من إيجابي، بدليل أن هذه الرقعة تقع في منطقة متلاصقة مع بلوك 72 “الإسرائيلي”، وعلى بعد كيلومترات قليلة من حقلي “كاريش” و”تيتان” وهما الحقلان اللذان بدأت إسرائيل بالإنتاج والتصدير منهما، وتالياً فإن الطريق نحو الإنتاج لهذا البلوك سيكون قصيراً، وكذلك الأمر بالنسبة للبلوكين 8 و10 المتوقع تلزيمهما فوريا” في جولة التراخيص الجديدة وعلى الامل بنسب تجارية أحسن لمداخيل الدولة.
وعليه يمكن القول ان المنصات الأفضل تتظهر بعد الاكتشاف على غرار ما جرى في (نورن) وهو أحد حقول النفط والغاز ببحر النرويج.
ما تقدم يستوجب الذهاب إلى ترتيب الوضع القانوني لهيئة إدارة البترول، ورصد موازنة كافية للقيام بعملها علما أن ثمة من يعتبر أن لبنان شرع الوصول إلى المعلومات، وإلى قانون تعزيز الشفافية، وقانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والسجل البترولي، إضافة إلى إعلان لبنان الانضمام عام 2017 إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية EITI، وفي السياق لا بد أن يترافق ذلك مع رقابة برلمانية ، وهنا يبدأ الحديث عن الصندوق السيادي الذي يفترض ان يقره مجلس النواب.
فما هو هذا الصندوق؟
ان صندوق الثروة السيادي عبارة عن مجموعة من الأموال المملوكة للدولة والتي يتم استثمارها في أصول مالية مختلفة. عندما يكون لدى دولة ما فائض في الميزانية، فإنها تستخدم صندوق الثروة السيادية كطريقة لتوجيهها إلى الاستثمارات بدلاً من الاحتفاظ بها في المصرف المركزي، وكان أول صندوق ثروة سيادية هو هيئة الاستثمار الكويتية، التي تأسست عام 1953 لاستثمار فائض عائدات النفط.
وبحسب رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية والعميد في “الجامعة الدولية للأعمال” في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص، تختلف دوافع إنشاء صندوق الثروة السيادية من دولة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال، تولد الإمارات العربية المتحدة جزءًا كبيرًا من عائداتها من تصدير النفط وتحتاج إلى وسيلة لحماية الاحتياطيات الفائضة من المخاطر القائمة على النفط؛ وبالتالي، فإنها تضع جزءًا من هذا المال في صندوق ثروة سيادي.
وبالعودة إلى لبنان، يقول مرقص لـ”لبنان24″ أن القانون رقم 132/2010 (قانون الموارد البترولية في المياه البحرية) نص على إنشاء صندوق سيادي بموجب قانون خاص تودع فيه العائدات المحصلة من قبل الدولة الناتجة عن الأنشطة البترولية أو الحقوق البترولية، وبالتالي فقد كانت هذه المرّة الأولى التي يعتمد فيها مبدأ صندوق الثروة السيادية في لبنان وذلك في قانون الموارد البترولية الذي أقرّه مجلس النواب عام 2010 وعملت عليه وزارة الطاقة آنذاك ويومها أبدت “JUSTICIA” عليه ملاحظات لم يؤخذ الكثير منها بالحسبان.
وبموجب المادة الثالثة من قانون الموارد البترولية: “يحدّد نظام الصندوق ونظام ادارته الخاصة، ووجهة استثمار وتوظيف واستعمال العائدات بموجب قانون خاص بالاستناد إلى مبادئ وأسس واضحة وشفّافة للتوظيف والاستعمال، تحتفظ من خلالها الدولة برأس المال وبجزء من عائداته بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة، وتصرف الجزء الآخر وفقا لمعايير تضمن حقوق الدولة من جهة، بما يجنّب الاقتصاد أية انعكاسات سلبية محتملة على المدى القصير والطويل”، أي أن المبدأ الذي أرساه هذا القانون أن الواردات النفطية الواردة في صندوق الثروة السيادية لا يستهلكها جيل واحد من اللبنانيين ويقوم على تحويل الثروة النفطية إلى ثروة مالية متجددة للحفاظ عليها لخدمة كل الأجيال اللبنانية الحالية والمستقبلية، كما أن العائدات البترولية توظف بموجب الصندوق لتحويل الموارد الطبيعية إلى أصول مالية واستثمارها في توليد مصادر طويلة الأمد لمداخيل الحكومة من أجل الأجيال المستقبلية. اضافةً لذلك، يمكن لهذه العائدات النفطية أن تغطي النقص في الميزانية الناتج عن انخفاض غير متوقع في اسعار النفط أو المعادن العالمية، كما يمكنها أن تخصص لنفقات محددة كالصحة، أو التربية، وجذب استثمارات خارجية الى لبنان مما يساهم في المزيد من التنمية.
وعليه تكمن أهمية هذا الصندوق في الثروة التي يديرها التي يجب أن يحافظ عليها لمصلحة الوطن، والمسؤولية العليا في هذا الخصوص هي في عهدة الدولة، فإمكانية نجاح هذا الصندوق تكمن في إدارته من قبل خبراء ومستقلين وفقاً لمعايير واضحة وشفّافة بعيداً عن التدخلات السياسية والمحسوبيات، ويكون مجلس الوزراء المرجعية المباشرة للإشراف على عمله من مختلف جوانبه الاستراتيجية والاستثمارية والرقابية بحيث تتم الموافقة المسبقة على سياسة الاستثمار والمخاطر بعد درسها من رئاسة مجلس الوزراء.
وعليه إن ان إنشاء الصندوق ضروري من أجل تطبيق أحكام قانون الموارد البترولية في المياه البحرية رقم 132/ 2010 المادة 3- مبادئ إدارة البترول
1- يهدف هذا القانون إلى تمكين الدولة من إدارة الموارد البترولية في المياه البحرية.
2-تودع العائدات المحصلة من قبل الدولة الناتجة عن الأنشطة البترولية أو الحقوق البترولية في صندوق سيادي.
3-يحدد نظام الصندوق ونظام إدارته الخاصة، ووجهة استثمار وتوظيف واستعمال العائدات بموجب قانون خاص بالاستناد إلى مبادئ وأسس واضحة وشفافة للتوظيف والاستعمال، تحتفظ من خلالها الدولة برأس المال وبجزء من عائداته بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة، وتصرف الجزء الآخر وفقا لمعايير تضمن حقوق الدولة من جهة، بما يجنّب الاقتصاد أية انعكاسات سلبية محتملة على المدى القصير والطويل.