لم يكن استهداف الصحافيين واستشهاد المصور الزميل عصام عبد الله، إلاّ جانباً ممّا ترتكبه إسرائيل من جرائم ضد الإنسانية، وذلك في عدوانها على المدنيين وتدمير قطاع غزة وحصار أهلها وتهجيرهم من الجرائم الإسرائيلية، حيث يرى عميد كلية العلاقات الدولية في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ ورئيس مؤسسة “جوستيسيا” المحامي بول مرقص، فإن الحرب الراهنة تشكّل خرقاً للقانون الدولي الإنساني بالصورة والصوت وعلى نحو صريح، بدليل التصريحات العلنية للمسؤولين الذين يهددون بقتل المدنيين والحصار وغيرها، ممّا يقع تحت طائلة المواثيق الدولية التي تحرّم هكذا نوع من المعاملات غير الإنسانية سواء للمدنيين أو حتى الأسرى الذين يخضعون لقواعد معيّنة في الأسر خلال الحرب.
ويرى المحامي مرقص في حديثٍ لـ “ليبانون ديبايت”، أن “ما نراه اليوم وما نسمعه من تصريحات ما هو إلاّ مادة توثيقية كافية للإحالة إلى المحاكم الجنائية الدولية وتحديداً المحكمة الجناية الدولية الدائمة أو في حال تشكّلت محكمة دولية خاصة ،لكن للاسف لأن بوابة العبور لهذه العدالة سياسية والتي هي مجلس الأمن الدولي تحديداً، مع ترجيح استعمال حق النقض- الفيتو من الدول الخمس الدائمة العضوية ، لذلك لا يبقى على الضحايا وذويهم إلاّ سلوك باب القضاء الدولي الإنساني الشامل الموجود ببعض الدول الأوروبية والأميركية الجنوبية”.
وبالتالي، يشدد مرقص على أن المضمون الذي تعترف به إسرائيل نفسها بقولها “إننا في صدد قطع المواد الأساسية عن قطاع غزة، هو إقرار ذاتي تلقائي وطوعي بخرق القوانين الدولية، وهنا أتوقف تحديداً عند أمر إضافي يتصل من ناحية استهداف المدنيين العزّل والمباني السكنية والمنشآت الطبية والإستشفائية والحيوية ، وهذا ما تحظّره الإتفاقيات الدولية حتى خلال الحرب، فالحرب تخضع لقواعد أيضا، فحتى قواعد الحرب هنا ولا تُحترم ولا يرد بذلك أن طرفاً آخر قد خرق هذه القواعد فمهما يكن من أمر، إن تصرف دولة عضو في الأمم المتحدة يجب أن يكون متصلاً بالمبادئ التي هي تعتنقها انطلاقاً من عضويتها.”
ورداً على سؤال عن ممارسات إسرائيل في غزة، يقول مرقص إن “ما نشهده هو خرقٌ لاتفاقية جنيف الرابعة الهادفة إلى حماية المدنيين في منطقة الحرب مع ضرورة تقديم الدولة المحتلة لالتزاماتها إزاء السكان المدنيين وجميع الأحكام المتعلقة بالإغاثة، وبالتالي فإن ما نراه اليوم ما هو إلاّ مادة توثيقية للإحالة إلى المحاكم الجنائية الدولية ،إذ يشهد المدنيون الإعتداء على الحياة والكرامة (انتهاك للمادة الثالثة)، إضافةً إلى انتهاك المادة 27 المتعلقة بالزامية تحييد المدنيين مع ضرورة احترام الدولة المحتلة لالتزاماتها إزاء السكان المدنيين وجميع الأحكام المتعلقة بالإغاثة الانسانية، فلا تجيز أي استثناءات على ذلك، بصرف النظر عن ظروف الحرب. فما تقوم به دولة الاحتلال من استهداف للمدنيين العزل والمباني السكنية ما هو إلاّ عقاب جماعي، فهو أقرب لما يسمّى عملية إبادة جماعية وتُطلق عليه تسمية جريمة حرب وقد أدانتها كلٌ من المواد 32 و33 من اتفاقية جنيف والبروتوكول الثاني الذي يشدد على حماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية”.
أمّا على صعيد الترحيل القسري للفلسطينيين واستهداف الطواقم الطبية، فإن مرقص يُوضح أن استهداف المنشآت الطبية هو خرقٌ واضح للمادة 14 ، إذ لا يجوز لدولة الإحتلال، الإستيلاء على الوحدات الطبية وعليها تأمين هذه الحاجات، كما أن استهداف المدنيين العزل ومنعهم من الحصول على العلاج، والتشجيع على الترحيل القسري، يتعارض مع المادة 47و 78، كما لا يمكن صرف النظر عن انتهاك المادة 55 عبر الإستيلاء على الأغذية، والإمدادات وأقلّ مقومات الحياة من ماء أو كهرباء، وهنا لا يمكن تصنيف ما يقوم به العدو سوى كوجه آخر للتهجير القصري أو العقاب الجماعي .
وعلى صعيد البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف، يشير مرقص، إلى أنها مجموعة من البروتوكولات التي تكمل وتوسّع نطاق حماية الأشخاص المتأثرين بالنزاعات المسلحة: الأول، لحماية ضحايا المنازعات الدولية، والذي وقّع في عام 1949 ، والثاني، لحماية ضحايا المنازعات الدولية، وتشكل كل منها إطاراً قانونياً مهماً لحماية الضحايا في حالات النزاعات والحروب، وتنصّ على حقوق المدنيين والمرضى والجرحى وغيرهم من الأشخاص الضعفاء في سياق النزاعات المسلحة.
وهنا يخلص مرقص إلى أنه يعود للمدنيين أو الجهة المتضررة تقديم تظلّمات تتعلق بانتهاكات الإتفاقية الرابعة إلى هيئات الأمم المتحدة كمحكمة العدل الدولية أو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.